الفصل الثالث

التمييز ضد المهاجرين[1]

"وَالَّذِينَ تَبَوَّءُو الدَّارَ وَالإِيمَنَ مِن قَبلِهِم يُحِبُّونَ مَن هَاجَرَ إِلَيهِم." الحشر-9.

           

        لقد أدت حرب الخليج إلى إنقاص عدد الفلسطينيين في الكويت من حوالي 450,000 في عام 1990 إلى أقل من 30,000 في عام 1999.  فقد استغل الكويتيون ملابسات الأزمة والحرب للتخلص منهم, واستعملوا لتحقيق ذلك حملة عنيفة ومنظمة أدت في النهاية للتطهير العرقي للفلسطينيين من الكويت. وكانت الذريعة التي روجها الكويتيون لتبرير فظائعهم أن القيادة الفلسطينية قد ساندت العراق أثناء الأزمة (أنظر التفاصيل في الفصل العاشر).

        والحقيقة أن طرد الفلسطينيين من الكويت له أسباب عديدة سابقة للأزمة العراقية~الكويتية, وبالتالي سابقة للتأييد الفلسطيني للعراق. فابتداء من أوائل الثمانينات من القرن العشرين, أصبح التخلص من الجالية الفلسطينية هدفاً للحكومة الكويتية, وذلك بعد أن أصبحت أكبر جاليات المهاجرين في البلاد. فقامت الحكومة بتبني عدة إجراءات من شأنها التضييق على الفلسطينيين وبقية المهاجرين, حتى تكون إقامتهم في البلاد مؤقتة ولا يفكرون في الاستقرار الدائم فيها. فأخذت تعدل قوانين الهجرة بصفة مستمرة حتى جعلت من شبه المستحيل للمهاجرين أن يحصلوا على الإقامة الدائمة والجنسية. كذلك اتبعت سياسات تمييزية ضد المهاجرين في التشغيل والأجور وملكية العقارات, أدت في النهاية إلى فصل الكويتيين عن المهاجرين والى تقليص التفاعل الاجتماعي بين الفئتين وزيادة التباعد بينهما. وتجلى ذلك التباعد الاجتماعي في ندرة التزاوج بين المهاجرين العرب (خاصة الفلسطينيين منهم) والكويتيين على الرغم من أنهم ينتمون جميعاً إلى عنصر واحد ويتكلمون بلغة واحدة ويدين معظمهم بنفس الدين.

        أما أهم ما تمخضت عنه تلك السياسات التمييزية الكويتية, فإنها أوجدت تعريفاً جديداً للعرقية يشتمل على الفروق في الجنسية بالإضافة إلى الفروق التقليدية المعروفة في اللغة والدين والمنشأ.[2] وهكذا, يمكن القول بأن الهوية العرقية يمكن أن تنشأ بناء على التشابه في الاستمتاع بالمزايا التي توفرها الجنسية لحامليها من المواطنين, بالمقارنة مع ما تمنعها عن غيرهم من سكان بلد من البلدان. وبناء عليه, فان إحدى الجماعات البشرية, كالمواطنين في حالة الكويت, يمكن أن تلجأ "للتطهير العرقي" من أجل أن تحتفظ بمثل تلك الامتيازات لها وحدها, وتنكرها على غيرها من الجماعات السكانية. كذلك فان السياسات التمييزية الكويتية ضد المهاجرين قد تمخضت عن نتيجة أخرى تمثلت في أن التنافس على الثروات يمكن أن يلغي, أو يحيِّد, العوامل التقليدية التي توحد الجماعات مثل العنصر والدين واللغة. فببساطة شديدة, يمكن تفسير ما فعله الكويتيون بالفلسطينيين وباقي المهاجرين على أنه محاولة قصد منها إبعادهم عن المشاركة في الثروة النفطية.   

        يبدأ هذا الفصل بتحليل العلاقة ما بين الجنسية والهوية العرقية. يلي ذلك تحليل لقانون الجنسية الكويتي, ثم يتم تقديم حالة "البدون" كمثال على استثناء إحدى الجماعات السكانية من حقوق الجنسية. أما الجزء الرابع من هذا الفصل, فانه مخصص لتوثيق التمييز الكويتي ضد المهاجرين في البلاد. أخيراً, ينتهي الفصل بمناقشة ما ترتب على ذلك التمييز من نتائج.

        لقد تعرض الفلسطينيون والكثيرون من المهاجرين العرب في الكويت, بعد انتهاء حرب الخليج مباشرة عام 1991, لحملة إرهاب أدت إلى طردهم من البلاد. وفي الحقيقة, فان ذلك لم يكن انتقاماً كويتياً منهم نتيجة لمواقف قياداتهم المؤيدة للعراق, كما ادعت الحكومة الكويتية, وإنما كان استمرارا لسياسة بعيدة المدى ضد المهاجرين عموما والفلسطينيين منهم بشكل خاص. فقد كانت الحكومة الكويتية تبحث عن سبب للتخلص من الفلسطينيين من قبل الحرب. فبدلاً من منح الجنسية للمهاجرين الذين تنطبق عليهم شروط قانون الجنسية, بما في ذلك الفلسطينيون, فإن سياسة الحكومة الكويتية في هذا الخصوص تركزت على مضايقتهم حتى لا يفكروا في الاستقرار في البلاد. فقامت بتبني سياسة تمييز منظمة ضد المهاجرين في كافة مجالات الحياة. وقد حقق ذلك للأسرة الحاكمة جملة أهداف من بينها المحافظة على ولاء المواطنين, الذين لا يرغبون في رؤية المهاجرين وهم يتمتعون مثلهم بنفس المزايا التي تتيحها الجنسية. كما حقق لها قبول المواطنين لتجاوزاتها فيما يتعلق بالممارسات الديمقراطية, بحجة أن التصدي للخطر السكاني الذي يمثله المهاجرون يبرر تلك التجاوزات.

        وينبغي التنويه منذ البداية إلى أن الحكومة الكويتية, أو المتحدثين باسمها, يمكن أن تعزو عدم منح الجنسية للفلسطينيين المؤهلين لذلك لأسباب تتعلق بالصراع العربي~الإسرائيلي, أي أن عدم منحهم الجنسية مقصود حتى يستمروا في نضالهم من أجل حقوقهم في فلسطين. وهذه الحجة الواهية مردود عليها جملة وتفصيلاً. فأولاً, لو كان ذلك هو السبب الحقيقي لتم منح الجنسية لسكان الكويت العرب الذين لا يحملون جنسية, أي البدون, ولباقي المهاجرين العرب من غير الفلسطينيين. ثانياً, إذا كان منح الجنسية الكويتية للفلسطينيين يمكن أن ينسيهم فلسطين, فمعنى ذلك أن الفلسطينيين الذين يحملون جنسيات أخرى في كل القارات قد نسوا فلسطين. وهذا غير صحيح, لأن الإحساس بالظلم الذي تولد نتيجة المأساة الفلسطينية يورث من الآباء إلى الأبناء, الذين استمر ويستمر نضالهم أينما وجدوا لرفع ذلك الظلم. ثالثاً, إنّ هذه المقولة توحي بأن النضال ضد العدوان الإسرائيلي على الأمة العربية هو شأن فلسطيني أولاً وأخيراً. والرد على ذلك أن الصراع العربي~الإسرائيلي في النصف الثاني من القرن العشرين كان جوهره قيام إسرائيل على أنقاض فلسطين عام 1948, ولكن سرعان ما اكتشفت الأمة العربية أن أطماع إسرائيل لا تقف عند حدود فلسطين. فقد قامت إسرائيل باحتلال شبه جزيرة سيناء المصرية مرتين في عامي 1956 و1967, كما احتلت المرتفعات السورية والضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967, وجنوب لبنان ابتداء من عام 1978 واجتياح لبنان واحتلال عاصمته عام 1982. كما قامت الطائرات الإسرائيلية بقصف وتدمير العديد من المنشآت الاقتصادية والحضارية في عديد من الأقطار العربية, خاصة في أقطار الطوق أثناء الحروب, وفي العراق عام 1981. كما عملت إسرائيل باستمرار على تفتيت الوحدة الوطنية في العديد من الأقطار العربية بهدف إضعافها, خاصة مساعداتها للأقليات المتمردة في العراق والسودان, على سبيل المثال. وأدى ذلك كله إلى عرقلة مسيرة التنمية العربية لمدة نصف قرن نتيجة تحويل الجزء الأكبر من موارد الأمة وجهدها للدفاع عن نفسها. بعد هذا كله, فإنه من المؤسف أن تتنصل الحكومات العربية, بما في ذلك الحكومة الكويتية, من مسؤولياتها إزاء المهاجرين الذين يعيشون تحت حكمها لعشرات السنين, فلسطينيين وغيرهم, مستخدمة حجة التصدي للمشروع الإسرائيلي.

 

الجنسية والهوية الثقافية

 

        منذ الاستقلال السياسي عن بريطانيا, في عام 1961, كان هدف السياسات الحكومية الكويتية إبقاء وضع الفلسطينيين في البلاد كمهاجرين إلى ما لا نهاية. فكان يتم التعامل معهم بطريقة تجعلهم يشعرون بأن وجودهم في الكويت سيكون مؤقتا مهما طالت المدة. وكان كثير منهم يمنعون من الحصول على تأشيرات الدخول أو العودة للكويت, الأمر الذي كان يتسبب عنه فصل أفراد العائلة الواحدة عن بعضهم البعض حتى يضطر الجميع لمغادرة البلاد في نهاية المطاف. وكانت الحكومة الكويتية تنكر عليهم حقهم, الذي يكفله لهم القانون الكويتي نفسه, في الإقامة الدائمة والجنسية, ولا تستثني من ذلك حتى مواليد البلاد الذين عاشوا فيها عشرات السنين. وبالرغم من تلك السياسات الجائرة, فإن عدد الفلسطينيين لم يتناقص. وعلى العكس من ذلك, فإنه كان يتزايد باضطراد.

        إزاء فشل تلك السياسات في تحقيق الهدف المرجو منها, اتخذت الحكومة الكويتية عدة إجراءات تهدف إلى وقف دخول الفلسطينيين إلى البلاد. فأصبحت تأشيرات الدخول من الصعوبة بحيث لم يعد بإمكان الموظف العادي استصدار تأشيرات لزوجته وأطفاله ليلتحقوا به. ففي عام 1983, كان الموظف العادي من ذوي الياقات البيضاء, أي من حملة الشهادات الجامعية, يتقاضى حوالي 419 دينارا كويتيا في الشهر.[3] وكان ذلك أقل بكثير من الحد الأدنى, وهو 600 دينار, الذي فرضته الحكومة لدخل الموظف الذي يحق له التقدم بطلب للحصول على تأشيرة لاستقدام أفراد أسرته. وهكذا, فإن غالبية الموظفين وجميع العمال المهرة وغيرهم لم يعد باستطاعتهم الحصول على تأشيرات لإحضار عائلاتهم للعيش معهم في الكويت. وفوق ذلك, بدأ أبناء المهاجرين يفقدون حقهم في الإقامة مع ذويهم عندما يبلغون 21 عاما من أعمارهم أو عندما يبقون خارج البلاد لأكثر من ستة أشهر.[4] ولأن معظم الفلسطينيين ومعهم بقية المهاجرين كانوا محرومين من الالتحاق بالجامعة ومعاهد التعليم العالي الكويتية, لم يكن أمامهم غير السفر للخارج لهذا الغرض. ولكي يتمكنوا من المحافظة على حقهم في الإقامة, كان عليهم العودة للكويت قبل مرور مدة الستة أشهر. ونتج عن ذلك أن عائلات المهاجرين أصبحت تتكلف أعباء مالية كبيرة, فوق طاقتها في معظم الأحوال, لتغطية تكاليف سفر أبنائها مرتين في العام حتى لا يخسروا حقهم في العودة والإقامة في الكويت. وهكذا, أخذ المهاجرون الفلسطينيون يدركون بأن عشرات السنين من العيش والعمل في الكويت لم تكن كافية لإعطائهم حقهم في الإقامة الدائمة أو الجنسية, كما كان يكفل ذلك القانون الكويتي.[5]

        وأهم من ذلك, أن أبناء المهاجرين عموما لا يستطيعون الحصول على الجنسية أو الإقامة الدائمة بناء على ولادتهم في البلاد, كما هو الحال في معظم المجتمعات الغربية وخاصة في الأميركيتين وأستراليا. فحصولهم على الجنسية من شأنه أن يجعلهم يتمتعون بالمساواة في الحقوق والفرص والامتيازات التي يتمتع بها المواطنون. وبالطبع فان مبدأ المساواة لا يزال غريبا على حكام الكويت ومؤيديهم من المواطنين المنتفعين بهذا النظام التمييزي. وفاتهم أن الظلم الاجتماعي يؤدي في النهاية إلى زعزعة الاستقرار السياسي, وبالتالي القضاء على الرخاء الاقتصادي. وبعبارة أخرى, فإن الظلم الاجتماعي الناتج عن السياسات التمييزية الكويتية ضد المهاجرين هو الذي أدى لحالة الغطرسة السياسية التي أسهمت في الوصول بالكويت وبالمنطقة العربية إلى الحالة التي وصلتها. أما أثر تلك السياسات على الفلسطينيين, فانهم قد تيقنوا بأنه "لم يعد لديهم أية ضمانة للتمتع بالخدمات الحكومية المجانية كالتعليم والصحة. كما أضحى واضحاً لهم أن تنافسهم مع المواطنين كان بدون شروط عادلة في مختلف المجالات الاقتصادية."[6]       

        وهكذا, فإن عدم منح المهاجرين الجنسية التي يستحقونها قد أوجد مجموعتين سكانيتين منفصلتين عن بعضهما البعض مادياً ومعنوياً, مع أنهما تعيشان في بلد واحد صغير عبارة عن نصف دائرة نصف قطرها حوالي أربعين ميلاً تقريباً, ومركزها مدينة الكويت. ولم ينعكس هذا الانفصال بين المجموعتين في العيش في مناطق سكنية منفصلة وحسب, بل تعدى ذلك إلى محاولة الكويتيين المتعمدة بأن يكون لهم مظهر مختلف عن المهاجرين. والحقيقة أن تأكيدهم على ارتداء الزي "الوطني" (المصنوع خارج الوطن العربي) قد أعطاهم شعوراً بأنهم كثيرون, مع أنهم في الواقع أقلية في بلادهم. فقد كانوا يمثلون حوالي 55 بالمائة من السكان في عام 1957. ثم تناقصت تلك النسبة إلى حوالي 50.4 بالمائة عام 1961, و47.1 بالمائة عام 1965, و47 بالمائة عام 1970, و 47.5 بالمائة عام 1975, و41.7 بالمائة عام 1980, و40.1 بالمائة عام 1985 (جدول رقم 1.3).

        والجدير بالذكر أن هذه النسب المئوية لا تشمل الكويتيين وحدهم, وإنما البدون أيضاً. فقد عمدت الحكومة إلى المبالغة في نسبة الكويتيين وذلك بإضافة البدون إليهم, مع أن هؤلاء ليسوا مواطنين. ففي عام 1988, أظهرت الأرقام الرسمية أن عدد الكويتيين كان 767,295, يمثلون حوالي 36 بالمائة من سكان البلاد البالغ عددهم 1,958,477 نسمة. وفي عام 1989, فصلت الإحصائيات الحكومية البدون, الذين كانوا يعدون 250,651, عن المواطنين الذين أصبح عددهم 545,738. وهكذا أصبحت نسبة المواطنين 26.7 بالمائة من عدد السكان الإجمالي في البلاد, أي أقل بنسبة 9.3 بالمائة عن العام السابق. وقد أصبح الفلسطينيون والبدون معاً أكبر عدد من المواطنين الكويتيين. ففي عام 1990, وصل عددهم معا إلى 662,324, يمثلون حوالي 30.9 بالمائة من السكان. أما الكويتيون, فقد كانوا 564,262, أي حوالي 26.3 بالمائة من السكان (جدول رقم 1.3). وربما كانت تلك الحقيقة وراء انتهاج الحكومة الكويتية لسياسة التضييق على الفلسطينيين والبدون لإخراجهم من البلاد, حتى لا تكون هناك جالية من المهاجرين تفوق الكويتيين عدداً. وعلى الرغم مما فعلته الحكومة الكويتية, إلاّ أن الكويتيين سيستمرون في كونهم أقلية في بلادهم طيلة القرن الحادي والعشرين, طالما استمروا في إصرارهم على عدم تغيير سياسات التجنيس الحالية بينما تستمر حاجتهم لمزيد من المهاجرين (جدول رقم 2.3).

        وهناك سبب آخر دفع الكويتيين لتمييز أنفسهم في اللباس عن المهاجرين عموماً والفلسطينيين بشكل خاص, بالإضافة إلى الشعور بالكثرة المذكور آنفا, ألا وهو أن الفلسطينيين في غالبيتهم الساحقة عرب ومسلمون مثل الكويتيين. وبالتالي أصبح الزي الكويتي علامة على الهوية العرقية الكويتية وإشارة تعلن أن مرتديه هو كويتي وليس مهاجراً.[7] وقد أدى وجود غالبية من المهاجرين في البلاد إلى التضامن بين أفراد الأقلية من المواطنين الكويتيين, وخاصة بين أفراد الطبقة العليا وأفراد الطبقة السفلى في المجتمع.[8] فحتى يستمر الحكم المطلق في يد الطبقة العليا الحاكمة كان لا بد لها أن تمنح العديد من الحقوق والمزايا للمواطنين من أفراد الطبقة السفلى, الذين كان عليهم في المقابل أن يخدموا نظام الحكم بانخراطهم في قوات الجيش والشرطة والأمن, وبذلك أصبحوا أدوات الأسرة الحاكمة في إرهاب المهاجرين والمثقفين الكويتيين على حد سواء. ولذلك فان أفراد الطبقة الوسطى, وخاصة المثقفين منهم, لم يشعروا بنفس الخطر على هويتهم, وبالتالي فإن كثيراً منهم قد انخرط في الأنشطة السياسية القومية العربية وانضموا للأحزاب السياسية القومية مثل حركة القوميين العرب وحزب البعث العربي الاشتراكي, وذلك خلال السبعينات والثمانينات من القرن العشرين. وقد فسر المثقف الكويتي سلمان العيسى هذا التوجه بأنه كان نتيجة لتفاعل أفراد الطبقة الوسطى الكويتيين مع المهاجرين العرب في البلاد. وأضاف بأن "وجود عدد كبير من غير الكويتيين العرب, وخاصة العرب الفلسطينيين, قد غير توجه (المثقفين) الكويتيين من النظرة القطرية الضيقة إلى النظرة القومية العربية."[9]

        والحقيقة أن السياسات التمييزية التي اتبعتها الحكومة الكويتية, لضمان ولاء الأقلية من المواطنين ولزعزعة استقرار الأكثرية من المهاجرين, نتج عنها آثار غاية في السلبية. فقد أدت تلك السياسات إلى شعور الكويتيين بأنهم متميزون ولا حاجة لهم للعمل.[10] ومصداقا لذلك, أن مشاركة المواطنين الكويتيين في قوة العمل, في الفترة ما بين 1965 و1985, كانت أقل بكثير من نسبتهم السكانية في البلاد ككل (جدول رقم 3.3).

        أما سياسات الحكومة لحل مشكلة عدم التوازن السكاني بين المواطنين والمهاجرين فكانت متقلبة وأحياناً متعارضة, ولكن القاسم المشترك بينها جميعاً كان التضييق على المهاجرين حتى لا يستقروا في البلاد. ومنذ البداية, لم يكن التجنيس خياراً جدياً لحل المشكلة. فخلال الإثنتي عشرة سنة الأولى التي أعقبت الاستقلال, أي ما بين 1961 و1973, تم منح الجنسية الكويتية لحوالي 13,570 شخصا من المهاجرين والبدون. وكان من بين هؤلاء 168 فلسطينياً, و16 أردنياً, و31 مصرياً, و1,320 إيرانياً, و1,655 عراقياً, و 1,738 من جنسيات مختلفة, و8,642 من البدون المولودين في الكويت. وكذلك, تم تجنيس حوالي 38,000 من البدو المعروفين بولائهم للأسرة الحاكمة, في الفترة ما بين 1965 و1970. وهكذا, فان الغالبية العظمى من الذين تم تجنيسهم في تلك الفترة كانوا من البدو والبدون, أي من غير المهاجرين. وقد أدى ذلك إلى استمرار المواطنين الكويتيين في الاحتفاظ بالمزايا التي يتمتعون بها, خاصة الثروة والسلطة, وإلى استمرار تأييدهم القوي للحكومة في المقابل.[11]

        وقد أصبحت سياسة الحكومة واضحة بشأن كيفية حل المشكلة السكانية, ابتداء من عام 1985, وذلك عندما اتخذ مجلس الوزراء قرارات تهدف إلى تحقيق التوازن السكاني بين المواطنين والمهاجرين. وكانت الخطة تهدف إلى أن تتساوى المجموعتان السكانيتان في العدد مع نهاية القرن العشرين.[12] ومع ذلك, فلم تكن الخطة تقضي بزيادة عدد المواطنين عن طريق تجنيس المهاجرين, وإنما بتقليص عدد المهاجرين عن طريق التضييق عليهم, وعلى الأخص إشعارهم بأن الحصول على الجنسية شبه مستحيل, حتى ييأسوا ويغادروا البلاد من تلقاء أنفسهم. وتجلت تلك السياسة الحكومية في قانون الجنسية وتعديلاته المتلاحقة.

 

قانون الجنسية

 

        طبقا للمادة الأولي من قانون الجنسية الكويتي رقم 15 الصادر في عام 1959, فإن الكويتيين هم الذين عاشوا في البلاد بصفة مستمرة منذ عام 1920. وقد منحت المادة الرابعة من القانون وزير الداخلية صلاحية منح الجنسية الكويتية لكل مهاجر عربي يمكث في البلاد لمدة عشر سنوات ولكل مهاجر غير عربي يمكث في البلاد مدة خمسة عشر عاما. ومع ذلك, فقد حددت نفس المادة عدد الذين يمكن تجنيسهم في العام الواحد بخمسين شخصا. وهذا يعني أن القانون كان حبراً على ورق بالنسبة لمئات الآلاف من المهاجرين الذين كانت تنطبق عليهم تلك المادة. وبعبارة أخرى, كان القانون في مادته تلك مناقضا لنفسه.

        وقد تمت مراجعة القانون عام 1966, فأصبح من حق المهاجرين العرب الحصول على الجنسية الكويتية إذا كانوا يعيشون في البلاد بصفة مستمرة منذ عام 1945, وغير العرب إذا ما كانوا من المقيمين في البلاد منذ عام 1930. وقد تصدت المادة الخامسة من القانون رقم 6 لعام 1966 لحل مشكلة التناقض في القانون السابق, أي العدد الضئيل الذي يمكن تجنيسه من الناس سنوياً. لكن ذلك لم يطبق إلا على بدو البدون, أي البدو الذين كانوا لا يحملون أية جنسية, وكان جلهم ممن جاءوا للكويت من السعودية بسبب ولائهم لآل صباح. وكان هؤلاء يتطوعون للعمل في الجيش والشرطة, مما جعلهم في مكانة قريبة من الأسرة الحاكمة كأدوات للنظام. وقد زادت الحاجة إليهم لكبح جماح أفراد الطبقة الوسطى من المتعلمين الكويتيين. ولم يكن المتعلمون من المهاجرين, فلسطينيين وغيرهم, مؤهلين للقيام بذلك الدور. كما أن مستوياتهم التعليمية كانت ستضعهم في نفس الطبقة الوسطى التي ينتمي لها المتعلمون الكويتيون, وبالتالي فان تجنيسهم كان سيؤدي إلى تقوية تلك الطبقة, لا إلى إضعافها والسيطرة عليها, كما كانت تريد الحكومة.

        وقد قام العديد من المثقفين الكويتيين, بما في ذلك أعضاء من الأسرة الحاكمة, بانتقاد قانون الجنسية وتعديلاته وتطبيقاته والتحذير من عواقبه, وذلك قبل أزمة عام 1990 بسنوات. وركزوا في تحذيراتهم على أن التمييز ضد المهاجرين من شأنه أن يؤدي إلى عدم استقرار البلاد, وإلى زيادة اعتماد المواطنين على الحكومة. وتعارضت آراؤهم في ذلك مع خطة الحكومة لحل المشكلة السكانية. فقد دعا سلمان العيسى إلى منح الجنسية الكويتية أو الإقامة الدائمة للمؤهلين لها من المهاجرين العرب, وخاصة الفلسطينيين, كحل أمثل لمشكلة نقص اليد العاملة في البلاد. وحذَّر من استمرار السياسات الحكومية في ذلك الشأن, قائلاً:

"إذا ما استمرت الحكومة الكويتية في سياستها الرامية إلى تغريب الأكثرية من السكان ومن القوى العاملة والتمييز ضدهم, فإن ذلك سيؤدى إلى زيادة التوتر, وربما يكون مصدراً لعدم الاستقرار السياسي والاجتماعي. وحتى يتم تجنب مثل هذه المشكلات, ينبغي مراجعة وإصلاح قانون الجنسية القائم (آنذاك)."[13]

        وقد ذكرت سعاد الصباح أنه في عام 1980, كان هناك حوالي 84,856 من المهاجرين العرب ممن كانوا يعيشون في الكويت بصفة مستمرة لأكثر من 15 عاماً. وأضافت أنه لو أن الحكومة كانت تتبع سياسة أكثر واقعية في منحها للجنسية والإقامة الدائمة, لكان بإمكان حوالي 150,000 من المهاجرين العرب المطالبة بالحصول على الجنسية الكويتية, بحلول عام 1983. ولأن ذلك لم يحدث, فقد حذَّرت من المشكلات التي أوجدها التمييز القانوني ضد المهاجرين. وذكرت تحديدا:

"أنه من الواضح أن الازدهار الاقتصادي يعتمد بدرجة كبيرة على الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي. وغياب الاستقرار في حالة بلد كالكويت لا يهدد الازدهار الاقتصادي فقط بل يتعداه إلى تهديد وجود ذلك البلد نفسه."[14]

        وقد حذر يوسف الصباح أيضاً من التمييز المستمر ضد المهاجرين, داعياً إلى مراجعة قانون الجنسية في محاولة لحل المشكلة المزمنة في نقص الأيدي العاملة. وتلخص رأيه في أن الاستقرار السياسي شرط للازدهار الاقتصادي. وأنه من الضروري أن يكون هناك إحساس بالاستمرارية والاطمئنان لدى المهاجرين حتى يقوموا بتأسيس الأعمال التجارية وتوسيعها, وحتى يقدموا تحدياً للكويتيين ليدخلوا مجالات الأنشطة الاقتصادية الإنتاجية, بدلاً من أن يبقى معظمهم معتمدين على الحكومة.[15]

        ولم تستمع الحكومة الكويتية لهؤلاء المثقفين المتخصصين, ولم تتعلم من سياسات الهجرة المتبعة في الدول الأخرى التي تجتذب المهاجرين باستمرار, وخاصة الأميركيتين واستراليا. وبدلاً من ذلك, أصرت على سياساتها التمييزية ضد المهاجرين, وحافظت بذلك على ولاء المواطنين المعتمدين عليها. وبالطبع, فإن حكام الكويت لم يكونوا يريدون تقوية المعارضة, التي غالباً ما كانت تتألف من المتعلمين من أبناء الطبقة الوسطى. فكان تصورهم أنه لو تم منح الجنسية الكويتية للفلسطينيين, فإن ذلك كان سيؤدى إلى زيادة القوة الانتخابية للطبقة الوسطى, وبالتالي إلى زيادة قوة المعارضة. وهكذا, كانت سياسات الهجرة أداة في يد الحكومة مكنتها من إحكام سيطرتها على اللعبة الديمقراطية في البلاد.

        وتحليل سريع لطريقة صنع سياسات الهجرة في الكويت يقدم الدليل على أن تلك السياسات تصنع أولاً وأخيراً لتحقيق رغبات الحكام ولتتمشى مع رؤيتهم السياسية, أي أنها ليست استجابة للمتطلبات الاقتصادية. فقد قام حكام الكويت بتصميم سياسات الهجرة بطريقة تؤدي إلى عدم تشجيع المهاجرين للبقاء في البلاد. وهذا ما وجدته شيرِن س رسل (1989) عندما قامت بتلخيص تلك السياسات بمراحلها السبعة التي مرت بها في الفترة الممتدة ما بين 1959 و 1985. فخلال المرحلة الأولى التي امتدت من عام 1959 إلى عام 1964, كانت الحكومة تتلقى التشجيع من القوميين العرب في مجلس الأمة لتسمح لمزيد من المهاجرين العرب للقدوم للبلاد. وفي نفس الوقت, حرصت الحكومة على إرضاء الوطنيين الكويتيين عن طريق التأكيد لهم بأن هؤلاء المهاجرين لن يصبحوا مواطنين, ولن ينافسوهم في الوظائف الحكومية. ولترجمة ذلك عمليا, فان قانون الجنسية الصادر في عام 1959, سمح بخمسين حالة تجنس فقط, في العام الواحد. كذلك فإن المواطنين بالتجنس لم يكن باستطاعتهم التصويت في الانتخابات, ولا تقلد الوظائف الحكومية العليا إلا بعد مضي خمسة وعشرين عاما على تجنسهم. كما أكد قانون العمل الصادر عام 1960 على أن السيطرة الاقتصادية والحصة الأكبر من أرباح الأعمال التجارية سوف تبقى في أيدي المواطنين.

        وخلال المرحلة الثانية الممتدة من عام 1965 إلى عام 1966, لاحظت الحكومة وجود زيادة كبيرة في عدد الفلسطينيين في البلاد. ورداً على ذلك, أصدرت القانون رقم 26 لعام 1965, والذي عدَّلت بموجبه قانون إقامة الأجانب. وكان هدف التعديل أن يصبح من السهل على الحكومة أن تقوم بترحيل المهاجرين. وكذلك تم تعديل قانون الجنسية بالقانون رقم 70 لعام 1966, والذي تم بموجبه منح الجنسية الكويتية للمزيد من البدو. وقد أدى ذلك بالفعل لتجنيس حوالي 90,000 منهم في الفترة ما بين عام 1961 و 1970. وقد شهدت المرحلة الثالثة, الممتدة من عام 1967 إلى عام 1973, تكثيفا للجهود الرامية للحد من تزايد أعداد الفلسطينيين في البلاد. أما المرحلة الرابعة من تطور صنع سياسات الهجرة, والتي امتدت ما بين عامي 1974 و1977, فقد اتصفت بالتساهل في استقدام العمال من الخارج. وكان ذلك استجابة للزيادة الكبيرة في العائدات النفطية الناتجة عن الزيادة الحادة في أسعار النفط, والتي نتجت بدورها عن حرب عام 1973 والحظر النفطي الذي أعقبها. وهكذا, دخل المزيد من العمال الآسيويين إلى البلاد خلال المرحلة الرابعة وكذلك خلال المرحلة الخامسة (1978-979), وبأعداد لم يسبق لها مثيل. وكان تفضيل العمال الآسيويين على العرب في هاتين المرحلتين يعود لتصور الحكومة بأنهم أقل تهديداً لأمنها, بالإضافة إلى أن أجورهم هي الأقل أيضا. وكإجراء مصاحب لسياسة الهجرة المتساهلة تلك, قامت الحكومة بفرض إجراءات جديدة تحد من دخول أفراد أسر المهاجرين كما تقلل احتمال استفادتهم من الخدمات الاجتماعية, حتى لا يفكروا في الاستقرار بالبلاد. وبالطبع فان تلك السياسات لم تعجب القوميين العرب الذين احتجوا عليها متهمين الحكومة بالعمل على زيادة عدد الآسيويين, والتضييق في نفس الوقت على المهاجرين العرب عامة والفلسطينيين بشكل خاص. وقد ساهمت احتجاجاتهم وانتقاداتهم للحكومة في ذلك الشأن في نشوء الأزمة التي أدت إلى حل مجلس الأمة في عام 1976.

        وقد تأثرت سياسات الهجرة في المرحلة السادسة (1980-1983) بعدة عوامل أهمها الثورة الإسلامية في إيران, والركود الاقتصادي العالمي, وسقوط سوق المناخ للأوراق المالية. ففي هذه المرحلة, صدر قانون الجنسية رقم 100, الذي جعل التأهل للحصول على الجنسية أكثر صعوبة من أي وقت مضى. فقد مدد القانون الجديد فترة الإقامة المطلوبة من عشر سنوات إلى خمس عشرة سنة بالنسبة للمهاجرين العرب, ومن خمس عشرة سنة إلى عشرين سنة بالنسبة للمهاجرين من غير العرب. وكان الهدف من ذلك, تبرير رفض منح الجنسية للفلسطينيين وغيرهم من المؤهلين للحصول عليها. والحقيقة أن حوالي ثلث غير الكويتيين كانوا يقيمون في البلاد لعشر سنوات أو أكثر. وفوق ذلك, فإن حوالي 16 بالمائة منهم كانوا يقيمون في البلاد لخمس عشرة سنة أو أكثر. وأخيراً, فإنه خلال المرحلة السابعة (1984-1985), كان هناك حوالي 300,000 ممن ولدوا في الكويت من أبناء المهاجرين, وكان ذلك يشكل حوالي 30 بالمائة من غير الكويتيين.

        وبحلول عام 1985, وجدت الحكومة الكويتية نفسها في مفترق طرق. فطبقاً لقوانينها, كان حوالي ثلث المهاجرين مؤهلين للحصول على الجنسية الكويتية. ولم يعد بإمكانها تأجيل البت في هذا الأمر أكثر من ذلك. ولكن بدلاً من اتخاذ القرار الصحيح, ألا وهو منح الجنسية للمؤهلين لها من المهاجرين, فإن الحكومة الكويتية قررت التخلص من أكبر عدد منهم, وخاصة الذين أقاموا في البلاد مدة أطول من غيرهم. وكان ذلك هو الهدف الرئيس للخطة الخمسية للأعوام 1985-1990, التي قدمتها الحكومة لمجلس الأمة.[16] وكانت الخطة لا تهدف للتخلص من قدامى المهاجرين فقط, وإنما من البدون كذلك.

 

قضية البدون

 

        البدون عرب عاشوا في الكويت لعدة أجيال, لكنهم رغم ذلك لم يمنحوا الجنسية الكويتية. وتشمل هذه المجموعة السكانية أناساً ينحدرون من الرعاة الرحل الذين كانوا لقرون عديدة يتنقلون بحثا عن الكلأ لإطعام قطعان أغنامهم, فيما يعرف اليوم بمناطق حدود الكويت مع العراق والسعودية. وأصل مشكلة هؤلاء أنهم لم يلقوا بالاً لتسجيل أنفسهم للحصول على الجنسية الكويتية في الخمسينات من القرن العشرين, وذلك راجع لجهلهم بالفوائد التي يمكن أن تجلبها الجنسية لهم. كذلك فان جماعة البدون السكانية تشمل أبناء وبنات الكويتيات المتزوجات من البدون وما انحدر منهم من نسل بعد ذلك. وقد وصل عدد البدون إلى 262,324 في عام 1990, ولكنه تناقص إلى حوالي 160,000 في عام 1995, نتيجة لطرد الكثيرين منهم إلى الحدود العراقية (جدول رقم 1.3).[17] ثم تناقص عددهم مرة أخرى إلى حوالي 117,000 في عام 1996, والى حوالي 114,000 في عام 1997.[18]

        وقضية أهل الكويت من البدون تقدم مثالاً على الظلم الذي أوجده قانون الجنسية الصادر في عام 1948 وما لحقه من تعديلات في الأعوام 1959, 1960, 1965, 1966, 1972, 1980, 1982, 1986, 1987, و1993. فلو طبق القانون بحسن نية, فإنه كان سيتيح للبدون والمهاجرين على حد سواء أن يحصلوا على الجنسية دون عناء. ولكن الحكومة أخذت في تعديل قانونها بصفة مستمرة من أجل إنكار الجنسية على من يستحقونها في كل مرحلة زمنية. فالتعديل الذي أدخل عام 1980, على سبيل المثال, حرم الجنسية على أطفال الكويتيات وآبائهم إذا كانوا من البدون. وهكذا, فإن التعديل قد أبطل مفعول المادة الثالثة من قانون عام 1959, الذي كان يعطيهم الحق في الجنسية. أما المادة الرابعة من نفس القانون, فقد تم وقف العمل بها عام 1966 لأنها كانت تقضي بمنح الجنسية بناء على عدد معين من السنين يقيمها طالب الجنسية في البلاد. ولو طبقت تلك المادة, لتجنس مئات الآلاف من المهاجرين والبدون, ولما كانت هناك مشكلة خلل سكاني في الكويت. أما القسم الثالث من المادة الخامسة من قانون عام 1959, فقد تم إلغاؤها في عام 1980 لأنها كانت تعطي الحق لمئات الآلاف من المهاجرين والبدون بالتجنس على أساس الولادة في الكويت, والإقامة المستمرة فيها بعد ذلك حتى تكملة التعليم الثانوي في المدارس الكويتية.

        أما قانون عام 1948, فإنه قد ركز على أن الكويتيين هم الذين كانوا "مستقرين" في البلاد قبل عام 1928. وهكذا, فإنه استثنى الرعاة المتنقلين, الذين لم يكونوا "مستقرين," مما خلق مشكلة البدون. كذلك فإن قانون عام 1948 قد خوَّل منح الجنسية لطالبها إذا كان مقيماً في الكويت لمدة خمس سنوات. بعد ذلك, مددت هذه المدة لتصبح ثماني سنوات في عام 1959, وعشر سنوات في عام 1966, وخمس عشرة سنة في عام 1980. كذلك فإن الخطة البعيدة المدى (الاستراتيجية) التي كانت تركز على التعديلات المتوالية قد اتبعت لإنكار حق التصويت على من تجنس من الذكور. فقانون عام 1959, أعطى المواطنين المتجنسين حق التصويت بعد عشر سنوات من حصولهم على الجنسية. ولكن هذه الفترة قد مددت إلى عشرين سنة في عام 1976, والى ثلاثين سنة في عام 1986.[19]

        وقد أدى عدم اعتراف الحكومة بالبدون على أنهم كويتيون إلى وضع غاية في السوء والاستغلال والاضطهاد بالنسبة لهم. فمن الصعب عليهم نتيجة لذلك أن يعملوا في البلاد, أو يلتحق أطفالهم بالمدارس, أو يسافروا للخارج. وإدراكاً منها لهذه المشكلات التي تواجههم, وإمعاناً منها في إنكار حقوقهم بالمواطنة, فإن الحكومة قد أعلنت في عام 1996 بأنها ستصدر لهم تأشيرات إقامة إذا ما أظهروا لها أنهم يحملون جوازات سفر من أية دولة أخرى. وكان الهدف الرئيس لهذا الإعلان الحكومي تحويل البدون من طالبي جنسية إلى طالبي إقامة مؤقتة مثل بقية المهاجرين في البلاد, الأمر الذي يمكِّن الحكومة فيما بعد من ترحيلهم إلى البلدان التي أصدرت لهم جوازات السفر. ونظراً لفوائد الحصول على الإقامة (من خدمات وسفر), فإن كثيراً من البدون جازفوا بخسارة حقوقهم في المواطنة والإقامة الدائمة. وهكذا قام كثير منهم بالبحث عن جوازات سفر من أي مكان في العالم, ووصل بهم الحال لشراء جوازات سفر من دول البحر الكاريبي. وقد وصل سعر جواز السفر الصادر من جمهورية الدومِنكان إلى حوالي 6,700 دولار.[20] وفي أغسطس/آب 1997, أعلنت الحكومة أن حوالي 3,400 من البدون قد وجدوا جوازات سفرهم الأصلية, وفي ذلك إيحاء بأن البدون جاءوا في الأصل من الدومِنكان وكوستاريكا. لكن الحكومة لم تذكر كيف عبروا المحيطات والبحار بأغنامهم حتى وصلوا للكويت, وهل يا ترى جاءوا بملابسهم البدوية أيضا؟ وعلى أية حال, فقد استفاد بعض البدون الذين تمكنوا من الحصول على جوازات سفر من دول أخرى. فأصبح مسموحاً للكثيرين منهم أن يبقوا في الكويت كعمال أجانب. لكن الحصول على جوازات سفر من دول أخرى لم يكن ضمانة لتطبيق ما وعدت به الحكومة, والتي رفضت منح بعض البدون تأشيرات إقامة حتى بعدما اشتروا وأحضروا لها جوازات السفر.[21] وهكذا, لا يزال غالبية البدون يعيشون في مأساة مستمرة تجسد ظلم الإنسان لأخيه الإنسان, بلا رحمة أو هوادة.

        وسيستمر البدون في وضعهم الذي لا يحسدون عليه حتى يتم منحهم الجنسية الكويتية, الأمر الذي لا تلوح له بوادر جدية في الأفق. فخلال عام 1997, أعلنت الحكومة رغبتها في حل مشكلتهم بشكل جذري. ومع ذلك, فإن عدد الذين منحوا الجنسية منهم لم يتجاوز 411 من أصل 114,000 لا زالوا يقيمون في البلاد. وحتى هذا العدد الضئيل, فإنه كان يمثل بعض البدون الذين خدموا في الجيش أو في قوات الأمن, أو كانوا من أبناء الكويتيات المتزوجات من البدون. وحتى تغلق الباب أمام آمال باقي البدون في تغيير أوضاعهم, أعلنت الحكومة أنها لم تعد تقبل تطوع البدون للخدمة في قوات الأمن والجيش.[22]

        وقد كانت المحاكم الكويتية في الماضي ترفض محاولات الحكومة الرامية إلى معاملة البدون على أنهم أجانب, وذلك في تطبيقها لقانون إقامة الأجانب الصادر في عام 1968. فكانت تعترف بالوضع الخاص الذي يستحق البدون أن تتم معاملتهم على أساسه. وقد أظهر القرار الهام لمحكمة الاستئناف الكويتية الصادر في يونيو/حزيران 1988 بأن ترحيل البدون والفلسطينيين من الكويت كان مخالفاً للقانون الكويتي, وبالتالي فإنه كان غير قانوني. وقد نص القرار على أنه:

"لا يوجد شك في أن الأجنبي المعرض للترحيل, طبقاً للمادة 79 من قانون العقوبات وكذلك طبقاً لقانون إقامة الأجانب, هو الأجنبي الذي ينتمي لدولة أخرى غير دولة الكويت ويحمل جنسية تلك الدولة. أما المقيمون في الكويت من غير الكويتيين, والذين لا ينتمون لدولة أخرى, ولا يحملون جنسيات أخرى, ولكنهم محرومون من الجنسية الكويتية لسبب أو لآخر(ويتمتعون بالرغم من ذلك بنفس الامتيازات التي يتمتع بها المواطنون الكويتيون, ما عدا  المزايا الناتجة مباشرة عن الجنسية) فهؤلاء لهم معاملة خاصة تختلف عن معاملة الأجانب. وعلى ذلك, فلا يمكن اعتبارهم أجانب من ناحية قانونية عند تطبيق المادة 79 من قانون العقوبات أو عند تطبيق قانون إقامة الأجانب."[23]

        وبالإضافة إلى مخالفة الحكومة الكويتية للقانون الكويتي نفسه, كما وضح ذلك قرار محكمة الاستئناف السالف الذكر, فإنها أيضاً لا تزال في وضع مخالف للأعراف الدولية, خاصة فيما يتعلق بحقوق الإنسان. فلم تقم الحكومة الكويتية بالمصادقة على "الميثاق العالمي للحقوق السياسية والمدنية," والذي يعتبر المصدر الرئيس "لمعايير الحقوق الإنسانية." فالقسم الثالث من المادة 24 من الميثاق تنص على أن "كل طفل له الحق في الحصول على جنسية." وبخصوص إنقاص عدد من هم بدون جنسية, فإن المادة الأولى من الميثاق تنص على أن "الدولة الموقعة سوف تمنح جنسيتها للشخص الذي يولد على أراضيها إذا ما كان لا ينتمي لدولة أخرى."[24] وهكذا, فان هذين الميثاقين الدوليين يثبتان بأن الحكومة الكويتية كانت مخالفة للمعايير الدولية عندما قامت بترحيل الفلسطينيين والبدون وبعدم السماح لهم بالعودة للبلاد. كما أن هذين الميثاقين يثبتان أيضاً بأن الحكومة الكويتية كانت مخالفة للمعايير الدولية عندما لم تمنح جنسيتها لمن لم يحملوا جنسيات أخرى ممن ولدوا وأقاموا فيها, وذلك ينطبق بالدرجة الأولى على البدون والفلسطينيين.

        وإلى أن تغير الحكومة الكويتية نهجها هذا, سيبقى التمييز السمة الرئيسة للبلاد, ليس فقط ضد المهاجرين والبدون وإنما أيضاً ضد المرأة الكويتية. فالكويتيات لا يزلن محرومات من حق التصويت, الأمر الذي يمكن أن يفسر سبب عدم حصول أطفالهن على الجنسية الكويتية. ولو كان لهن حق التصويت والترشيح, لتمكنَّ من إصدار القوانين التي تحمي أُسرهن, ولانتهت هذه المشكلة. لكن من الواضح أنهن لسن مواطنات بالكامل في بلادهن. فالناخبون الذين يقررون مصيرهن ومصير أطفالهن هم من الذكور فقط. وكان هؤلاء حوالي 82,000 في عام 1992, و85,000 في عام 1996, يمثلون حوالي 80 بالمائة من الناخبين المسجلين.[25] وهكذا, فإنهم يؤلفون جماعة نخبوية حاكمة تنكر المشاركة في السلطة والثروة على الغالبية العظمى من سكان المجتمع البالغ تعداده حوالي مليوني نسمة, أي المهاجرين والبدون والنساء الكويتيات.

 

التمييز ضد المهاجرين

 

        إن التمييز ضد المهاجرين والبدون في الكويت مرده أساساً إلى حرمانهم من حقوقهم في الإقامة الدائمة والجنسية. ويمتد ذلك التمييز إلى كافة مجالات الحياة, وخاصة في الإثنى عشر مجالاً التالية, والتي هي محل اتفاق بين عدد كبير من الباحثين.[26]

        أولاً, إن التمتع بفوائد الضمان الاجتماعي والتقاعد مقصور على المواطنين فقط, طبقاً لنظام الضمان الاجتماعي الحالي والذي تأسس في 2 سبتمبر/أيلول 1976. وقد تم انتقاد هذا النظام التمييزي من قبل عدة هيئات دولية مثل المصرف (البنك) الدولي ومعهد أبحاث ستانفورد. وسواء كان المهاجرون يعملون في الحكومة أو القطاع الخاص, فإنه لم يحدث لهم أبداً أن تلقوا نفس المعاملة التي يتلقاها الكويتيون. فعندما يصلون إلى سن التقاعد, أي ما بين 60 و65, تنتهي علاقتهم بأصحاب العمل. وببساطة, فليس لهم نصيب في صناديق التقاعد, كما لا تقدم لهم معاشات كبار السن, ولا تعترف الحكومة ولا أرباب العمل بأية مسؤولية نحوهم بعد ذلك. والأهم من ذلك أن إقامتهم القانونية في البلاد تنتهي تلقائياً بانتهاء مدة عملهم. فإذا ما أرادوا البقاء, وليس لهم خيار في ذلك ليكونوا إلى جوار أفراد أسرهم, فإن عليهم أن يتوسلوا لأحد الكويتيين ليكون كفيلاً لهم. وهذه واحدة من أكثر التجارب إذلالاً للمهاجرين. فبعد عشرات السنين من العيش والعمل وربما الولادة في البلاد, فإن على المهاجر أن يواجه الحقيقة المرة التي تتلخص في أنه لا حق له في البقاء بالبلاد إذا فقد عمله أو تقاعد عنه. وقد أصبح التوسل للمواطنين الكويتيين من أجل الكفالة رمزاً للنظام الطائفي المقيت والشبيه بنظام الطوائف الهندوسية, والذي أوجده وحافظ عليه استمرار الحكومة في إصرارها على عدم منح الجنسية لمن يستحقها من المهاجرين. وفي المقابل, فإن الكويتيين لهم صناديق تقاعد خاصة بهم, كما أن المحتاجين منهم يتلقون الإعانات الاجتماعية, وذلك ينطبق على كبار السن بالدرجة الأولى. وهكذا, بينما تمنع فوائد التقاعد عن المهاجرين والبدون, فإنها تشكل جزءاً هاماً من المزايا التي تكفلها الجنسية للمواطنين.

        ثانياً, يتمتع الكويتيون بالأفضلية على المهاجرين عند التعيين في الوظائف. ونتج عن ذلك تعيين الكويتيين في وظائف الحكومة على أساس الجنسية وليس المؤهلات والكفاءة. ففي عام 1972, بلغ عدد الكويتيين العاملين في الحكومة 34,588, وكان هذا العدد يمثل حوالي 38.5 بالمائة من مجموع العاملين في القطاع الحكومي.[27] وبحلول عام 1976, تزايد عدد الكويتيين العاملين في الحكومة إلى 46,769, وكذلك ازدادت نسبتهم لتصل إلى حوالي 40.2 من إجمالي العاملين في ذلك القطاع. وفي عام 1975, كانت الحكومة تشغل حوالي 51.4 بالمائة من الكويتيين, تاركة للقطاع الخاص تشغيل حوالي 12.1 بالمائة منهم.[28] والحقيقة أنه قد أصبح لكل كويتي حق دستوري في الحصول على وظيفة, سواء كان مؤهلا لذلك أم لا.[29]

        ثالثاً, لا يوجد في الكويت تكافؤٌ للفرص فيما يتعلق بالترقيات والتقدم في سلم الوظائف. وهذه تمثل إحدى حالات التمييز الواضحة ضد المهاجرين الذين يحرمون من الترقيات بينما يتمتع نظراؤهم الكويتيون بها. ويقدم العمل في النظام التعليمي الكويتي مثالاً على هذا النوع من التمييز. فقد رغبت الحكومة في تعيين الخريجين الكويتيين للعمل في التدريس. ولكن معظم هؤلاء لم تكن لديهم الرغبة في ذلك لأنهم يعلمون أن التدريس عمل جدي وشاق ولا يتيح العمل فيه فرصاً كبيرة للترقيات. وحتى تشجعهم الحكومة للعمل في هذا المجال, قدمت لهم علاوات إضافية وفتحت لهم فرص الترقية إلى الوظائف الإدارية. ونظراً لأن تلك الفرص كانت مقتصرة على المواطنين, فإن التمييز قد ازداد ضد المعلمين المهاجرين.[30] وهكذا, أصبح من المألوف رؤية المدرسين الكويتيين الجدد وهم يصبحون مدراء للمدارس ويشغلون مناصب إدارية تجعلهم يشرفون على المدرسين المهاجرين الأكثر خبرة وكفاءة لا لشيء إلاّ لأنهم كويتيون.

        رابعاً, يتلقى المهاجرون أجوراً تقل كثيراً عما يتقاضاه الكويتيون حتى ولو كانوا أقل كفاءة منهم. "فحارس المدرسة الكويتي, على سبيل المثال, غالباً ما يتقاضى راتباً شهرياً يفوق بثلاثة أضعاف ما يتقاضاه المهاجر العربي الذي يعمل مدرساً في نفس المدرسة الثانوية ولمدة 48 ساعة في الأسبوع. وذلك يحدث على الرغم من أن الحارس الكويتي غالباً ما يكون أميا بينما يكون المدرس العربي حاصلاً على شهادة جامعية في المادة التي يقوم بتدريسها."[31] وفي عام 1976, كان حوالي 80 بالمائة من الكويتيين يتلقون راتباً شهرياً يتراوح ما بين 120 و250 ديناراً كويتياً. وفي نفس الوقت, كان حوالي 37 بالمائة فقط من المهاجرين يتلقون رواتب شهرية مماثلة, ولكن حوالي 60 بالمائة منهم كانوا يتلقون رواتب شهرية تترواح بين 70 و100 دينار كويتي فقط.[32]

        خامساً, لا يستطيع المهاجرون أن يتملكوا أية عقارات في البلاد, وذلك طبقاً للقانون رقم 5 الصادر في عام 1965. ولذلك, لا يوجد خيار أمامهم غير استئجار البيوت والشقق السكنية المملوكة للكويتيين, بما في ذلك الاستئجار في المناطق التي هجرها الكويتيون لقدمها مثل حَوَلِّي والفروانيه بعدما رحلوا لمناطقهم الجديدة التي تزودهم بخدمات تعليمية وصحية وغذائية واتصالاتية أفضل. وقد نتج انتقال الكويتيين إلى تلك المناطق عن برنامج شراء الأراضي الذي بدأته الحكومة في الخمسينات من القرن العشرين بهدف توصيل بعض الثروة النفطية إلى ملاك العقارات. وأدى ذلك إلى ارتفاع قيمة الأراضي بشكل لم يسبق له مثيل في الستينات لدرجة أن سعر الأرض اللازمة لوقوف إحدى السيارات بلغ حوالي 19,000 دولار. أما في السبعينات, فإن مساحة من الأرض تبلغ حوالي 750 مترا مربعا في الصحراء خارج مدينة الكويت كانت تكلف ما بين 150,000 و200,000 دولار. وبالطبع, فإن الزيادة الهائلة في أسعار الأراضي قد أدت إلى زيادة مقابلة لها في الإيجارات. ففي الثمانينات, أصبح متوسط إيجار الشقة السكنية البسيطة حوالي 678 دولار في الشهر. أما إيجار الشقق المكيفة مركزيا فكان ما بين 1,400 و2,800 دولار, الأمر الذي لم يكن في متناول غالبية المهاجرين الذين يقومون بالأعمال الماهرة, القدامى منهم والجدد على حد سواء. فكانت الغالبية من هؤلاء تستأجر شققا متواضعة يدفعون في إيجارها أكثر من 60 بالمائة من دخولهم. أما المهاجرون من ذوي الأعمال غير الماهرة, فكانوا ولا زالوا يعيشون متكدسين كجماعات عمالية في المساكن الآيلة للسقوط أو في البيوت الخشبية والخيام التي تنصب في مواقع مشاريع البناء التي يعملون بها, وكلها غير صالحة لسكنى البشر. وهكذا, ونظراً لقصر تملك المباني والبيوت على المواطنين الكويتيين, فإن القانون الكويتي حافظ على استمرار استغلال المهاجرين والتمييز ضدهم. فهم مضطرون للبقاء كمستأجرين للأبد, يدفعون للملاك الكويتيين ما يفرضونه عليهم من إيجارات.[33]

        سادساً, لا يستطيع أي مهاجر أن يؤسس عملاً تجارياً ما لم يكن له شريك كويتي يملك أغلبية رأس المال حتى ولو لم يدفع شيئا, ولذلك فانه في الحقيقة "كفيل" وليس شريكاً. والأصل في الكفيل عند العرب أن يكون ضامناً لمكفوله أمام الناس, عندما يكون المكفول غير موثوق به أو غريب أو قليل العزوة. فيتطوع الكفيل الضامن لمساعدته ويأخذ بيده. أما ما فعله القانون الكويتي, فقد حول هذا المعنى النبيل للكفيل إلى ممارسة استغلالية مقيتة. والسبب الرئيسي لوجود نظام الكفيل واستمراره هو الإصرار على عدم تجنيس المهاجرين, وبالتالي الإصرار على استغلالهم والاستيلاء على ثمرة كدهم وعرقهم. فالكفيل يفرضه القانون على المهاجر كشريك, له أكثر من نصف العمل التجاري مع أنه ربما لم يكن قد دفع شيئا من رأس المال. فتوقيعه على الأوراق الرسمية هو ما يجعله شريكاً, وليس عمله أو مشاركته في رأس المال. وبعد حرب الخليج عام 1991, قام كثير من هؤلاء الكفلاء~الشركاء الكويتيين بالادعاء بخسارتهم "لأعمالهم" التجارية التي لم تكن لهم في المقام الأول, مطالبين بالتعويض. ونتيجة لتلك المطالب والادعاءات, فإنهم قد تلقوا جزءاً هاماً من التعويضات التي تشرف الأمم المتحدة على توزيعها بعد أن تقتطعها من عائدات العراق النفطية التي من المفروض إنفاقها على غذاء العراقيين المحاصرين ودوائهم.[34]

        فطبقاً لقانون الصناعة الصادر في عام 1965, فإن الشريك المهاجر لا يمكنه أن يمتلك أكثر من 49 بالمائة من رأس مال العمل التجاري. ولذلك, فإن على المهاجر الذي يرغب في تأسيس عمل تجاري أن يبحث لنفسه عن شريك كويتي إسمي أولاً, وهذا ما أدي إلى استغلال المهاجرين وإحجام معظمهم عن تأسيس الأعمال التجارية.وفي حالة فشل العمل التجاري, فإن الخسارة تكون من نصيب المهاجر وحده. أما إذا نجح ذلك العمل, فعلى المهاجر أن يستمر في دفع مبلغ من المال يمثل بالفعل إتاوة سنوية تحين كلما جاء موعد تجديد رخصة العمل السنوية, وبالتالي الحاجة إلى توقيع الشريك الكويتي. وهكذا, فإن القانون الكويتي هو الذي يكرس استغلال المهاجرين في المقام الأول, فاتحاً الباب أمام الكفيل الكويتي ليتفنن في ممارسة أشكال متعددة من ذلك الاستغلال.

        سابعاً, يسمح القانون الكويتي لأصحاب العمل الكويتيين أن يعاملوا موظفيهم وعمالهم المهاجرين كما لو كانوا عبيدا مكبلين بالعقود القانونية. فالقانون الكويتي يلزم العمال المكفولين أن يبقوا مع كفيلهم طيلة مدة العقد, مهما كانت درجة استغلاله لهم في ظروف العمل والأجور, وإلاّ فإن للكفيل الحق في ترحيلهم من البلاد. وهكذا, فان قانون العمل نفسه هو السيف المسلط على رقاب العمال المساكين الذين لا حول لهم ولا قوة. كذلك فإن القانون قد سهل استغلال العمال من قبل الكويتيين عن طريق تمكينهم من استصدار تأشيرات تباع لهم في بلادهم, وعندما يصلون إلى الكويت يفاجأون بعدم وجود أعمال لهم من الأساس. ولا يستطيع هؤلاء العمال المساكين أن يتقدموا بالشكوى عما جرى لهم, لأنهم لو فعلوا ذلك سيتم ترحيلهم نظراً لأن إقاماتهم مرتبطة بوجود أعمال لهم, وينتهي بهم الحال للبحث عن عمل لدى كويتي آخر ولكن بأجر أقل ودون مسؤولية قانونية عنهم.[35]

        ثامناً, يمنع القانون الكويتي العمال المهاجرين من تكوين اتحادات عمالية تمثلهم. فالمادة 72 من قانون العمل رقم 38 الصادر عام 1968, والتي تنظم العمل في القطاع الخاص, تمنعهم من ذلك. ولكنها تسمح لهم بالانضمام للاتحادات الكويتية شريطة أن يكون قد مضى على تواجدهم في العمل أكثر من خمس سنوات. ومع ذلك, فإنهم لا يتمتعون بحقي الترشيح والانتخاب. وهكذا, لا يجد العمال المهاجرون أي سبب يدعوهم للانضمام للاتحادات التي يديرها ويهيمن عليها الكويتيون, الأمر الذي يضعفهم بشكل دائم أمام أصحاب العمل.

        تاسعاً, يخضع المهاجرون للتمييز ضدهم في التعليم. فقد قررت الحكومة منذ السبعينات من القرن العشرين أن يكون حق التعليم في المدارس الحكومية مقصوراً على المواطنين الكويتيين. فإذا ما توفرت مقاعد إضافية بعد ذلك, فإنها تعطى لأبناء موظفي الحكومة من غير الكويتيين.[36] ومنذ بداية التسعينات, لم يعد الالتحاق بمدارس الحكومة ممكنا إلاّ للكويتيين. أما المهاجرون, فعليهم تعليم أبنائهم في المدارس الخاصة الأقل مستوى والأقل إنفاقاً على الطالب من مدارس الحكومة. وبالإضافة إلى ذلك, فإن الحكومة قد أوقفت دعمها للتعليم الخاص بعد الحرب, عام 1991, والذي كان يغطي 50 بالمائة من التكاليف. وهكذا, أصبح التمييز يشمل حتى أطفال المهاجرين الذين يحرمون من فرصة متكافئة لتلقي تعليمهم.

        عاشراً, لا يحق لغير الكويتيين العمل في المحاماة ولا الوصول للحكام مباشرة بشكاواهم مثلما هو متاح للكويتيين. فطبقاً للمادة رقم 17 من القانون الصادر عام 1964, يحق للكويتيين فقط أن يسجلوا كأعضاء في جمعية المحامين الكويتيين. ولا يمكن لمحامي غير كويتي أن يدافع عن موكله إلاّ بإذن من وزير العدل. وحتى عند الحصول على ذلك الإذن, فإنه ينبغي أن يكون مصحوباً بمحامي كويتي. وليس هذا هو المجال الوحيد الذي يتم فيه التمييز القانوني ضد المهاجرين. فللمواطنين الكويتيين الحق في الاتصال المباشر مع حكام الكويت من آل صباح ليقدموا الشكاوى لهم أو ليستأنفوا أحكاماً لا تعجبهم. وفي هذه الحالة, يتصرف الحكام وكأنهم قضاة ويستندون في ذلك على وضع أسلافهم في القرون الماضية كشيوخ قبائل. في ذلك الحين, كان الشيوخ يحكمون بين الناس وكأنهم قضاة, وذلك من خلال مجالسهم اليومية التي كانوا يستقبلون المواطنين فيها. ربما كان ذلك مناسباً في الماضي عندما كانوا يحكمون خمسة عشر ألفاً أو عشرين ألفاً من البشر (مثلما كان عدد سكان مدينة الكويت في مطلع القرن العشرين). لكن الآن وبعد أن أصبحت الكويت "دولة" عصرية تعدادها يزيد عن مليوني نسمة, فان ما يفعله الشيوخ في هذه الحالة هو تدخل في القضاء, الأمر الذي يتناقض مع أبسط مقومات الحكم السليم, أي الفصل بين السلطات الثلاث: التنفيذية والتشريعية والقضائية. وما يهمنا هنا أن تدخلهم في القضاء يمنح المواطنين امتيازاً لا يستطيع غالبية السكان من المهاجرين الحصول عليه. وعلى ذلك, فإنه يشكل تمييزاً ضد المهاجرين في مجال القضاء. ولا يزال الشيوخ من آل صباح يبتون في مجالسهم ويأخذون القرارات المتعلقة بالشئون المحلية, والقضايا القانونية, وطلبات المواطنين, ومظالمهم (وهذه كلها من مسؤوليات القضاة).[37]

        أحد عشر, لا يسمح للمهاجرين الاشتراك في الألعاب الرياضية, من خلال الأندية الرياضية الوطنية, ولا الاشتراك في عضوية الجمعيات التعاونية الاستهلاكية. وهذان الشكلان من التمييز يهدفان إلى قصر المنافع المادية على المواطنين واعتصار الأرباح من المهاجرين الذين يشكلون غالبية المستهلكين. وحتى خلال أزمة عام 1990 والحرب التي تلتها عام 1991, فإن الجمعيات التعاونية الاستهلاكية قد اقتصرت في إمداداتها الغذائية على المواطنين فقط,[38] مسجلة بعملها ذاك تمييزاً صريحاً ضد سكان البلاد من المهاجرين. أما حرمان أبناء المهاجرين من الانضمام للنوادي الرياضية, فإنه لا يهدف فقط إلى حرمانهم من الفوائد المباشرة من مزاولة الرياضات المختلفة, ولكنه يهدف أيضاً إلى حرمانهم من فرص التقدم والتفوق في ممارسة مختلف أنواع الرياضة وما ينتج عن ذلك من فوائد مادية للرياضيين. والأهم من ذلك كله أن منع المهاجرين من الاشتراك الفعلي في النوادي الوطنية يهدف إلى التغييب الرسمي لوجودهم في البلاد, والإيحاء بأن وجودهم مؤقت فقط كعمال أجانب ليس لهم أسر أو أبناء يتوقون للاشتراك في كافة مجالات الحياة, بما في ذلك مجال الرياضة الوطنية.

        إثنا عشر, أدى التمييز ضد المرأة الكويتية إلى التمييز ضد أبنائها وزوجها من غير الكويتيين. فالقانون رقم 35 الصادر عام 1965, والذي ينظم انتخابات مجلس الأمة, قد استثنى الكويتيات من حق التصويت. ومنذ عام 1980, فإن زوج الكويتية غير المواطن وأطفالهما يعاملون معاملة باقي المهاجرين وغير المواطنين في البلاد. وحتى يكون التمييز واضحاً لا لبس فيه, فإن الرجل الكويتي الذي يتزوج من امرأة غير كويتية قد أُعطي له الحق في أن يؤهل زوجته وأطفالهما للحصول على الجنسية الكويتية بصفة تلقائية. وقد حاولت النشيطات من المطالبات بحقوق المرأة الكويتية, من أمثال بدريه العوضي وبثينه مكاوي وسلمى الزومان, حث المسؤولين في الحكومة على مراجعة القوانين الظالمة للمرأة وتعديلها, ولكن دون جدوى. وكان رد أولئك المسؤولين تجسيداً للظلم والاضطهاد والقهر الاجتماعي. فصرحوا علناً أن حل مشكلات الكويتيات المتزوجات من غير الكويتيين يكمن في أيديهن, وذلك إما بتطليق أزواجهن أو بالرحيل معهم إلى خارج الكويت.[39]

 

تبعات التمييز

 

        أدى التمييز ضد المهاجرين إلى جعل التمتع بمزايا عديدة في مختلف مجالات الحياة مقصوراً على الكويتيين لكونهم مواطنين فقط, لا لمؤهلاتهم أو خبراتهم أو مهاراتهم في العمل. وكان لذلك التمييز تبعاته السلبية حتى على المجتمع الكويتي نفسه. فقد أوجد (وشجع, وحافظ على) حالة الاعتماد على الحكومة التي يشعر بها ويعيشها معظم الكويتيين. والواقع أنه بحلول عام 1975, كان حوالي 88 بالمائة من الكويتيين ممن هم في سن العمل في حالة اعتماد على الحكومة في كسب رزقهم. فبينما كان حوالي 51.4 بالمائة منهم يعملون في الحكومة, كان حوالي 36.5 منهم أيضا يتلقون الإعانات الاجتماعية. وقد أصبح الحصول على وظيفة حكومية أو على الإعانات الاجتماعية وكأنه حق دستوري للكويتيين.[40]

        كذلك فإن التمييز ضد المهاجرين قد أوجد (وحافظ على استمرار وجود) الحواجز المادية والنفسية بين المواطنين والمهاجرين, الأمر الذي أدى إلى تعميق المسافة الاجتماعية بين أفراد هاتين الجماعتين السكانيتين. كما أدى ذلك في النهاية إلى بروز عدة ظواهر غير صحية في المجتمع مثل الخوف من أعضاء الجماعات العرقية الأخرى وكراهيتهم بين الكويتيين,[41] والتغريب بين المهاجرين, وعدم الاستقرار في المجتمع بصفة عامة. وبحلول الثمانينات من القرن العشرين, أصبحت العلاقات الاجتماعية بين الكويتيين والمهاجرين, بما في ذلك الفلسطينيين, في أقل مستوى ممكن. فمثلاً, لم تحدث إلاّ حالات قليلة من التزاوج بين الجماعتين السكانيتين. وقد أظهرت إحدى الدراسات أن 92 بالمائة من الآباء الفلسطينيين كانوا يفضلون أزواجاً فلسطينيين لبناتهم, وأن 80 بالمائة منهم كانوا يفضلون زوجات فلسطينيات لأبنائهم.[42] وتتحمل الحكومة الكويتية المسؤولية الرئيسية للفصل الاجتماعي بين المهاجرين العرب والمواطنين الكويتيين, والذي أدى لظاهرة قلة التزاوج, وبالتالي إلى التباعد المادي والنفسي الآنف ذكرهما.

        وبالإضافة إلى سياسة الحكومة, فإن الفلسطينيين والكويتيين أيضاً مسؤولون عن ذلك كأفراد في جماعتين لهما نفس الموقف من التزاوج مع أفراد المجموعات الأخرى. فكلا المجموعتين تنتميان للتراث العربي الذي يشجع التزاوج الداخلي, من داخل الحمولة أو العشيرة أو القبيلة أو القرية أو المدينة, ويعطي دوراً رئيساً للأب في تقرير زواج الأبناء والبنات. وفي هذه الحالة, هناك درجة كبيرة من سيطرة الذكور على الإناث في المجتمع لدرجة تسمح لهم بأن يتزوجوا من خارج مجتمعاتهم, ويكون ذلك مقبولا من أقاربهم ومعارفهم. وفي نفس الوقت, فان زواج الإناث من ذكور خارج مجتمعاتهن هو أقل قبولا في الجماعتين, بل يعاقبن عليه كما في حالة الكويتيات المتزوجات من غير الكويتيين. وهكذا, فإنه كان من المقبول بين الفلسطينيين أن يقوم رجل فلسطيني بالزواج من امرأة كويتية (20 بالمائة من المشتركين في الدراسة كانوا مستعدين لقبول ذلك) أكثر من أن تتزوج امرأة فلسطينية من رجل كويتي (8 بالمائة من المشتركين في نفس الدراسة). أما زواج الكويتيات من غير الكويتيين فإنه أقل قبولاً من قبل الكويتيين لدرجة أنه يتم عقابهن بعدم منح أزواجهن وأطفالهن الإقامة الدائمة والجنسية, مما يؤدي إلى التمييز ضدهم.[43] لكن الوضع يختلف عندما يتزوج الكويتيون من غير الكويتيات, حيث تكتسب زوجاتهم وأطفالهم الجنسية الكويتية تلقائياً. وربما كان هذا التمييز الصارخ أحد الأسباب الرئيسة لقلة التزاوج بين الكويتيين والفلسطينيين. وعلى ذلك, تتحمل الحكومة الكويتية المسؤولية الأولى عن إبقاء الكويتيين معزولين اجتماعيا عن باقي المهاجرين, لاسيما العرب منهم. ولو كانت هناك نسبة عالية من التزاوج بين الكويتيين والمهاجرين العرب لقلل ذلك من احتمالات التوتر والخوف والريبة التي ميزت العلاقة بين المجموعتين السكانيتين, والتي تطورت إلى حد اقتراف أبشع الجرائم بحق الفلسطينيين وكثير من المهاجرين العرب والبدون بعد الحرب لإجبارهم على الخروج من البلاد (كما هو مفصل عن حملة التطهير العرقي ضد فلسطينيي الكويت, في الفصل العاشر).

        والتزواج بين أفراد الجماعات السكانية المختلفة ضروري لإيجاد وتدعيم التكامل الثقافي والتعاضد الاجتماعي.[44] أما المعدلات المنخفضة من التزاوج فهي مؤشرات على زيادة المسافة الاجتماعية بين الجماعات السكانية, الأمر الذي ربما يؤدي إلى خوف أفراد إحداها وكراهيتهم للجماعات الأخرى. وقد كانت يوغسلافيا مثالاً على ذلك, بالإضافة للكويت, مما أدى في النهاية إلى تمزيقها بعد عدة حروب داخلية تخللتها حملات إرهابية للتطهير العرقي ضد الكاثوليك الكرواتيين وضد المسلمين, خاصة في البوسنة والهرسك في أوائل التسعينات ثم في كوسوفو في أواخرها. فقد عانت يوغسلافيا في العقود الثلاثة التي سبقت حروب التسعينات, وبالتحديد من عام 1962 إلى عام 1989, من معدل تزواج منخفض بين الجماعات العرقية اليوغسلافية. وقد كان المعدل حوالي 13 بالمائة في يوغسلافيا ككل, ولكنه كان 11 بالمائة فقط بين مسلمي البوسنه, و13 بالمائة بين الأرثوذكس الشرقيين من الصرب, و17 بالمائة بين الكاثوليك الكرواتيين.[45]    

        ومن الآثار الأخرى التي نتجت عن السياسات التمييزية التي مارستها الحكومة الكويتية ظهور حالة من التغريب بين المهاجرين, وهو إحساس بالإحباط نتيجة قلة الحيلة والضعف وعدم القدرة على التصدي للظلم. وقد أوصلتهم الحكومة لتلك الحالة من خلال سياستها الحثيثة التي تهدف باستمرار إلى تقوية المواطنين وإضعاف المهاجرين. وقد تجلت حالة العجز عند المهاجرين في شعورهم بعدم القدرة على ضمان العدالة فيما يتعلق بأمنهم الوظيفي, والمعاملة المتساوية أمام القضاء, والمساواة في الأجور, وإعطاء المنافع بصفة عامة على أساس الجنسية وليس على أساس الكفاءة في العمل. كذلك زاد شعورهم بالتغريب لخوفهم من المستقبل الناتج عن حرمانهم من معاشات التقاعد, ولزيادة استغلالهم من قبل المواطنين خاصة بسبب الإيجارات السكنية العالية التي يدفعونها لهم, ولحرمانهم من تملك العقارات والبيوت, ولقصر المهن الهامة على الكويتيين.[46]

         وتحليل سريع للتركيبة الطبقية للمجتمع الكويتي في نهاية الثمانينات من القرن العشرين يمكن أن يوضح كيف أدت السياسات التمييزية الحكومية إلى وضع المواطنين في مراكز طبقية أكثر علواً مما تسمح به مؤهلاتهم. فبحلول عام 1990, كان المجتمع الكويتي مقسماً إلى خمس طبقات اجتماعية~إقتصادية رئيسة (جدول رقم 4.3). الأولي هي الطبقة العليا التي كانت ولا تزال تتألف من أعضاء الأسرة الحاكمة (الشيوخ) وأسر كبار التجار الكويتيين. وهؤلاء يسيطرون على البلاد من خلال سيطرتهم على المناصب الحكومية العليا, ومن خلال تملكهم للأعمال التجارية الكبرى ومعظم الأراضي والعقارات. والثانية هي الطبقة المتوسطة~العليا, التي يحتل أعضاؤها أعلى المناصب الحكومية (التي تلي مناصب الشيوخ), كما يمتلك بعضهم الأعمال التجارية المتوسطة الحجم. والغالبية العظمى من هؤلاء من الكويتيين. أما الثالثة فهي الطبقة المتوسطة~الدنيا, التي تتضمن صغار موظفي الحكومة من الحاصلين على درجات علمية من الجامعات والمعاهد والكليات, كما تتضمن أصحاب الأعمال التجارية الصغيرة. وحوالي نصف الكويتيين ومعظم الكويتيات من العاملين في الحكومة هم أعضاء في هذه الطبقة. والحقيقة أن حوالي 51 بالمائة من موظفي الحكومة كانوا من الكويتيين والكويتيات. كذلك كان حوالي 43.2 بالمائة من موظفي الحكومة من المهاجرين العرب, الذين كانوا يعملون بصفة عامة في وزارات التعليم والصحة والكهرباء والنفط. وهكذا, فإن هذه الطبقة تتكون في جلها من المعلمين والأطباء والممرضين والمهندسين العرب العاملين في الحكومة. لكن هؤلاء ليسو وحدهم أعضاء في الطبقة المتوسطة~الدنيا, فيوجد فيها معهم حوالي نصف عدد الكويتيين وأقل من ذلك من الكويتيات من غير المتعلمين, ولذلك فانهم يعملون في وظائف عمالية, أي كسعاة وحراس للمباني والإدارات.[47] وبالرغم من ذلك, فإن رواتبهم كانت ولا تزال أكبر من الرواتب التي يتقاضاها المتعلمون السابق ذكرهم من المهاجرين العاملين في الحكومة. ولذلك, فليس من الدقة تصنيف الكويتيين العاملين كسعاة وحراس على أنهم أعضاء في الطبقة العاملة, بل إن أوضاعهم المادية تضعهم في مراتب الطبقة المتوسطة~الدنيا. أما الطبقة الرابعة فهي الطبقة العاملة, التي تتألف أساساً من العمال المهاجرين المهرة كالكهربائيين والميكانيكيين وعمال الصيانة. ونصف أعضاء هذه الطبقة من العمال العرب ونصفهم الآخر من الآسيويين. أما الخامسة فهي ما اصطلح علية علماء الاجتماع بما هو دون الطبقة, ويشمل ذلك العمال غير المهرة والذين يتلقون أقل الأجور, مثل عمال الأجور اليومية والخدم والطباخين والسائقين وحراس مواقع العمل. وغالبية هؤلاء من الهنود والباكستانيين والسريلانكيين والإيرانيين والمصريين. وفي عام 1985, كان في الكويت حوالي 63,000 من الخدم الآسيويين الذين كانوا يعملون في حوالي 70 بالمائة من بيوت الكويتيين.[48] وتوضح هذه الظاهرة أن الغالبية العظمى من الكويتيين يعتمدون على الخدم في طهي طعامهم وتنظيف بيوتهم والعناية بأطفالهم.

        وأخيراً, فان هناك شريحة من الكويتيين تمثل مشكلة قياسية في هذا التحليل الطبقي. فقد كان هناك حوالي 36.5 من الكويتيين الذين هم في سن العمل ولكنهم لا يعملون في الحكومة أوفي القطاع الخاص.[49] والعديد من هؤلاء يمكن تصنيفهم على أنهم ممن يتلقون الإعانات والمساعدات الحكومية. ومع ذلك, فإن تلك الإعانات والمساعدات تضعهم في وضع طبقي أعلى من وضع أعضاء الطبقة العاملة من العمال المهاجرين المهرة. وهكذا, فإن وضعهم يختلف تماماً عن وضع أمثالهم ممن يتلقون المساعدات الحكومية في الدول الأخرى, والذين غالباً ما ينتمون لما دون الطبقة من شدة فقرهم, كما هو الحال في الولايات المتحدة الأميركية.

الخلاصة

 

        لقد أنكرت الحكومة الكويتية على البدون والمهاجرين, بما في ذلك الفلسطينيون, الحصول على حقهم في الإقامة الدائمة والجنسية. وقد أدى ذلك إلى حرمانهم من العديد من المزايا والحقوق التي يتمتع بها المواطنون. كما أسهمت السياسات التمييزية التي اتبعتها الحكومة في إقامة الحواجز المادية والنفسية بين المهاجرين والمواطنين. وعلى وجه الخصوص, أسهمت تلك السياسات في انخفاض معدلات التزاوج بين أفراد المجموعتين السكانيتين وزيادة التوتر في علاقات العمل بينهم. وقد نتج عن ذلك تبني الكويتيين موقفاً يتصف بالريبة والكراهية تجاه المهاجرين, وخاصة الفلسطينيين, الأمر الذي مهد لتبني سياسة التخلص منهم بدلاً من تقوية الأواصر معهم والتمسك بهم.

        وقد نجحت الحكومة الكويتية في تجميد نمو الجالية الفلسطينية من خلال فرض إجراءات صارمة تحد من إقامة الفلسطينيين ودخولهم للبلاد, لكن تلك الإجراءات لم تؤد إلى إنهاء وجودهم هناك. ولذلك, فإن الحكومة قد استمرت في البحث عن ذريعة للتخلص منهم دفعة واحدة. وقد جاءتها الفرصة عندما قامت القيادة الفلسطينية بتأييد الموقف العراقي, خلال الأزمة العراقية~الكويتية عام 1990. وبعد الحرب مباشرة, أي منذ أواخر فبراير/شباط 1991, تعرض المهاجرون العرب من رعايا الأقطار التي ساندت الموقف العراقي إلى حملة إرهابية كويتية أدت في النهاية للتخلص من غالبيتهم العظمى. وقد استهدفت الحملة تحديداً من تبقى من الفلسطينيين في الكويت, وهكذا لم يبق منهم سوى أقل من 30,000 بعد أن كانوا أكثر من 450,000 قبل الأزمة (الفصل العاشر). 

        ونتج عن ذلك أن الكويت قد خسرت جالية فلسطينية عرف أفرادها بالمهارة والعمل الجاد. أما الفلسطينيون الذين أكرهوا على مغادرة البلاد أو الذين لم يسمح لهم بالعودة لها بعد الحرب, فإنهم خسروا كل شيء وتفرقوا في جميع أنحاء العالم. والمحزن أنه لم يتم رد الظلم عنهم, ولا تزال الحكومة الكويتية تتجاهل مأساتهم, كما لا تزال تتبع نفس السياسات التمييزية ضد المهاجرين, خاصة فيما يتعلق بالإقامة والجنسية والمعاملة بينهم وبين المواطنين.

        ومن الجدير بالذكر أن السياسات الحكومية التمييزية قد طالت المهاجرين جميعاً, عرباً وغير عرب. والحقيقة أن الثروة النفطية قد أغرت كثيراً من الكويتيين بالابتعاد عن أبناء أمتهم, وإن محاولات المثقفين الكويتيين إقناع حكومتهم بتبني سياسات قومية عربية إزاء المهاجرين العرب قد باءت بالفشل. كذلك فإن التمييز ضد المهاجرين والتأكيد على الهوية "الخليجية" بدلاً من الهوية العربية قد أديا إلى تقوية سيادة "الدولة" القُطرية على حساب الانتماء إلى الأمة العربية, كما يتبين من الفصل الرابع. وبالإضافة إلى ذلك, فان سياسات التجنيس الصارمة أدت إلى الاستمرار في التحكم بمثقفي الطبقة الوسطى من الكويتيين, الأمر الذي مكن النخبة الحاكمة من الاستمرار في السيطرة على اللعبة الديمقراطية في البلاد.

        ومن المدهش أن العوامل الرئيسة التي كانت تؤدي إلى التطهير العرقي في أجزاء عديدة من العالم, خاصة اللغة والدين, لم تكن موجودة في حالة فلسطينيي الكويت. فقد تم إيجاد هوية عرقية للكويتيين مبنية على المزايا المادية التي تسبغها عليهم الجنسية الكويتية, والتي تجعلهم مختلفين عن غيرهم من سكان البلاد الذين لا يحق لهم التمتع بتلك المزايا. ولإدراكهم أنهم قد أصبحوا أقلية في بلادهم, وللمحافظة على المنافع المادية التي يستأثرون بها, فإن الكويتيين أخذوا يبنون حول أنفسهم سياجاً من الخوف والكراهية لباقي المهاجرين, وخاصة الفلسطينيين منهم. وقد حقق لهم ذلك انفصالاً مادياً ومعنوياً عن باقي السكان, أدى في النهاية إلى الإبقاء على الوضع الراهن كما هو, لصالحهم.          

        لكن ما حدث في الكويت في النصف الثاني من القرن العشرين لم يكن من العدل أبداً. فالمهاجرون يستحقون أن تكون هناك سياسة هجرة واضحة أمامهم يستطيعون من خلالها أن يغيروا أوضاعهم المؤقتة إلى أوضاع دائمة. وحتى بداية القرن الحادي والعشرين, فإن الحكومة الكويتية قد أنكرت على المهاجرين هذا الحق. وقد أدى ذلك إلى التمييز ضد المهاجرين في كافة مناحي الحياة. وينبغي التنويه هنا بأن الحكومة الكويتية يمكن أن تسوق حجة أو أخرى تفسر من خلالها حرمان المهاجرين من الحصول على الجنسية التي يستحقونها. فربما يقول قائل أن منح الجنسية للفلسطينيين عمل ضار بالقضية الفلسطينية, خاصة أن الهدف النهائي للصهيونية يكمن في توطين الفلسطينيين خارج فلسطين. وهذه الحجة مردود عليها بأن الحكومة الكويتية لم تمنح الجنسية للمهاجرين المؤهلين من غير الفلسطينيين. والحقيقة أن سياسات التمييز الكويتية لا يمكن أن تحل المشكلة السكانية المزمنة. فالمهاجرون باقون في الكويت ما دام هناك نفط وثروة نفطية, أي طيلة القرن الحادي والعشرين على أقل تقدير. كما أن الإصرار على اتباع تلك السياسات يدل على أن الحكومة الكويتية لم تتعلم من تجارب المجتمعات الأخرى التي تجتذب المهاجرين, خاصة أوروبا الغربية والأميركيتين واستراليا. هذه المجتمعات تستخدم منح الجنسية والإقامة الدائمة كوسيلة لمكافأة المؤهلين والمثابرين من المهاجرين وذلك حتى يبقوا في البلاد كمواطنين صالحين, وحتى يتم تذويب المهاجرين في المجتمع لتجنب عدم الاستقرار الذي ينتج عن فصل الجماعات السكانية عن بعضها البعض. وهكذا, فإن الكويت وغيرها من المجتمعات التي تنتهج سياسات مماثلة لن تنعم بالاستقرار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي إلاّ بعد حل مشكلاتها السكانية بمنح جنسياتها للمهاجرين, ليصبحوا مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات مع باقي السكان. وإلى أن يحدث ذلك, فإن هذه المجتمعات ستستمر في الانقسام إلى مجموعتين سكانيتين غير مستقرتين: أقلية من المواطنين الذين يملكون كل شيء وأغلبية من المهاجرين المسحوقين المضطهدين الذين لا يملكون شيئا.

 

 

 

 

 

 

 

 

الجدول رقم 1.3

سكان الكويت

 

المجموع                   المهاجرون                          الكويتيون                     السنة

                      النسبة          العدد               النسبة           العدد

 

1957          113,622         55               92,851         45              206,473

1961          161,909         50.4          159,712         49.6            321,621

1965          220,059         47.1          247,280         52.9            467,339

1970          347,396         47             391,266         53               738,662

1975          472,088         47.5          522,749         52.5            994,837

1980          565,613         41.7          792,339         58.3         1,357,952

1985          681,288         40.1       1,016,013         59.9         1,697,301

1989          545,738         26.7

           *(B)250,651         12.3       1,244,572         61.0         2,040,961

1990          564,262          26.3

          *(B)262,324           12.3*    1,316,014         61.4         2,142,600

1995

         **(B)160,000                                                                1,817,397***

 

المصادر: وزارة التخطيط الكويتية, مكتب الإحصاء المركزي, الملخصات

          الإحصائية السنوية, 1989, جدول رقم 11 وجدول رقم 12.

Crystal (1992: 50); KMI (1986: 29).

          بنك الكويت الصناعي, إحصائيات القوى العاملة في الكويت, 16

          أغسطس/آب 1976.

Alessa (1981: 13).

        * (ب) تشير إلى البدون, أي سكان الكويت الذين هم بدون جنسية.

            وقد بدأت الإحصائيات الرسمية تظهرهم بشكل منفصل ابتداء من عام 1989. وكانوا قبل ذلك يدمجون مع

          المواطنين.

Human Rights Watch (1995: 11-12).

    ** بحلول عام 1995, كان عدد البدون يقدر ما بين 135,000 (وهذا هو الرقم الرسمي) و

         180,000 (وهذا الرقم أكثر دقة). ويعزى هذا النقصان في عددهم بالمقارنة مع عام

         1990 إلى طرد الكثيرين منهم من البلاد والى منع آخرين من العودة إليها بعد الحرب.

Human Rights Watch (1995: 12).

***  U.S. Bureau of the Census, International Data Base.


 جدول رقم 2.3

سكان الكويت خلال قرن

(مهاجرون ومواطنون)

 

                        عدد السكان   السنة

1950       144,774                                                                                             

1960       292,229                                                                                               

1970       747,502

1980     1,369,769

1990     2,128,227

2000     2,420,116

2010     3,160,191

2020     3,560,330

2030     3,850,856

2040     4,024,918

2050     4,124,167

المصدر:

U.S. Bureau of the Census, International Data Base

ملاحظة: كان المواطنون يمثلون حوالي 26.3 بالمائة من السكان في عام

         1990. الأرقام المقابلة للعام 2010 وما بعده تمثل توقعات مبنية

         على المعطيات المعروفة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

جدول رقم 3.3

نسبة الكويتيين في القوى العاملة والسكان

                                  نسبتهم في        نسبتهم في                                        عدد السكان      القوى العاملة   السنة

      1965          23.4                    47.1

1970          27.0                    47.0           

1975          30.1                    47.5

1980          21.0                    41.7

1985          18.9                    40.1

المصادر: القدسي (1989: 4), والجدول رقم 3.2.

Shah and Al-Qudsi, 1989: 4.

ملاحظة: هذه النسب تشمل المواطنين والبدون معاً, حيث أن الفصل الإحصائي بين الجماعتين بدأ يظهر ابتداء من عام 1989.


جدول رقم 4.3

التركيبة الطبقية في الكويت

 

الطبقات                  ما تشمل من الشرائح السكانية

العليا                     الشيوخ (أعضاء الأسرة الحاكمة)

                          وأعضاء أسر كبار التجار الكويتيين

المتوسطة~العليا          كبار مسئولي وموظفي الحكومة

                          أصحاب الأعمال التجارية المتوسطة

                          الحجم من الكويتيين

المتوسطة~الدنيا          المهاجرون المهرة من خريجي الجامعات

                          والتعليم العالي

                          أصحاب الأعمال التجارية الصغيرة

                          موظفو الحكومة من الكويتيين

المشكلة القياسية          متلقو المساعدات الحكومية من الكويتيين

العاملة                   العمال والحرفيون المهرة من المهاجرين

ما دون الطبقة           العمال غير المهرة والخدم من المهاجرين

المصادر:

Shah and Al-Qudsi (1989); Farah, Al-Salem, and Al-Salem (1980).

ملاحظة: كان المواطنون يمثلون حوالي 26.3 بالمائة من السكان في عام 1990.

 

ملاحظات ومصادر



 [1]   اصطلاح "المهاجرين" مقصود هنا بذاته لأنه هو الصحيح, في معارضة للتسميات الخليجية الأخرى, مثل "الأجانب" و "العمالة الأجنبية" و "العمالة الوافدة" و"العمالة العربية." فهذه التسميات وغيرها مقصود بها أن هؤلاء الناس يعملون في البلاد بصفة مؤقتة, وأنهم سيغادرونها في المستقبل. والواقع والحقيقة غير ذلك أبداً, فهؤلاء مهاجرون مثلهم في ذلك مثل المهاجرين إلى أوروبا وأميركا وأستراليا. لكنهم أقل حظاً من نظرائهم في أوروبا والعالم الجديد الذين يتمتعون بالإقامة الدائمة والجنسية, والمساواة تبعاً لذلك. أما الحكومات الخليجية, فلا تزال تصر على عدم الاعتراف بحاجتها الدائمة للمهاجرين, وبالتالي تصر على التعامل مع المهاجرين وكأن وجودهم مؤقت.

 

 [2]   من الجدير بالذكر هنا بأن "العرقية" تشير إلى اختلاف الجماعات البشرية في الصفات الثقافية والمادية المكتسبة, بينما تشير "العنصرية" إلى اختلافها في الخلقة, أي في المظهر البدني الخارجي, كاللون مثلا.

 

[3] Al-Qudsi and Shah (1991: 149).

 [4]   لباده (1991: 31).

[5] Ghabra (1987: 164).

[6] The Economist (1990: 21-23, 30-32).

[7] Lienhardt (1993: 43).

[8] Al-Ebraheem (1975: 122).

[9] Alessa (1981: 52-53).

[10] Alessa (1981: 54-55). 

[11] Farah et al. (1989: 33-40).

[12] Shah and Al-Qudsi (1989: 22).

[13] Alessa (1981: 106-111).

[14] Al-Sabah, Su’ad (1983: 28).

[15] Al-Sabah, Youssif (1980: 138-139).

[16] Russell (1989).

[17] MEW (1991: 51-53).

[18] U.S. Department of State, Human Rights Annual Reports

   (1996).

[19] Human Rights Watch (1995: 66-79).

[20] Al-Watan Kuwaiti newspaper, November (1966).

[21] U.S. Department of State, Human Rights Annual Reports

    (1996, 1997).

[22] U.S. Department of State, Human Rights Annual Reports

    (1997).

[23] MEW, (1991: 53).

[24] Human Rights Watch (1995: 90).

[25] The Economist (October 12, 1996: 50); U.S. Department

    of State, Human Rights Annual Reports (1993, 1996).

[26] Alessa (1981: 16-18, 44-50);Brand (1988); Russell (1988);

    Russell (1989); Shah and Al-Qudsi (1989); Farah et. al.

    (1980);   Human Rights Watch (1995).

[27] Farah et at. (1980).

[28] Farah et at. (1980).

[29] Alessa (1981: 19).

[30] Alessa (1981: 24).

[31] Alessa (1981: 44).

[32] Alessa (1981: 45); Farah et al. (1980).

[33] Alessa (1981); Brand (1988: 114).

 

 [34]   صحيفة الحياة الجديدة (9 يوليو/تموز 1997).

 

[35] U.S. Department of State, Human Rights Annual Reports

    (1999).

 

[36] Alessa (1981: 62).

[37] Al-Shahi (1993: 10-13).

[38] Ghabra (1991: 7).

[39] Human Rights Watch (1995: 80-81).

[40] Alessa (1981: 19); Farah et al. (1980).

[41] “xenophobia” and “ethnophbia.”

 

درج علماء الاجتماع الذين يكتبون باللغة الانكليزية على استعمال اصطلاح "الخوف من الأجانب" أو "زينوفوبيا" للتعبير عن ظاهرة الخوف والكراهية التي يشعر بهما بعض الناس في المجتمع إزاء الأجانب الذين يعيشون بين ظهرانيهم, والذين غالباً ما يكونون أعضاء جماعات عنصرية أخرى. أما في حالة شعور الكويتيين بالخوف والكراهية إزاء المهاجرين عامة, والعرب منهم على وجه الخصوص, فانه لا يمكن وصفه بدقة علمية بنفس اللفظ. ولذلك أصبح من الضروري استعمال اصطلاح آخر للتعبير عن هذه الحالة التي يحس بها بعض الناس في المجتمع إزاء أعضاء الجماعات العرقية (وليس العنصرية) الأخرى, الذين يختلفون عنهم في الصفات الثقافية المكتسبة مثل اللغة والدين أو الأوضاع المادية التي تخلقها مزايا الجنسية للمواطنين بينما يحرم منها غيرهم. وهكذا, فان المؤلف يفضل استعمال اصطلاح "الخوف العرقي" أو "اثنوفوبيا," الذي وضعه للتعبير عن هذه الحالة, وذلك لأن المهاجرين العرب ينتمون لنفس العنصر العربي الذي ينتمي إليه معظم الكويتيين, كما أنهم يتكلمون نفس اللغة, ويعتنق معظمهم نفس الدين. ويبقى الاختلاف الوحيد الذي فرق بينهم هو الجنسية, وما يترتب عنها من اختلافات مادية واجتماعية.

 

[42] Ghabra (1987: 96-97).

 

من بحث الماجستير الذي أعده وجيه ياسين محمد, في جامعة الكويت, وذكره شفيق غبرا في كتابه.

 

 [43]   على الرغم من استمرار معاقبة الكويتيات المتزوجات من غير الكويتيين, إلاّ ان أصواتاً قد بدأت تعلو في الكويت منددة بهذه السياسة, ومطالبة بالمعاملة الإنسانية لأطفال الكويتيات. ومثال على ذلك ما طالب به عضو مجلس الأمة جمال الكندري (صحيفة الوطن الكويتية في 10 أكتوبر/تشرين أول 1996), وما طالبت به النشيطات في مجال حقوق المرأة الكويتية, من أمثال بدرية العوضي, وبثينة مكاوي, وسلمى الزومان (Human Rights Watch, 1995: 80-81).

 

[44] Blau, Blum, and Schwarz (1982); Labov and Jacob (1986);

    Pagnini and  Morgan (1990).

[45] Botev (1994).

[46] Farah, Al-Salem, and Al-Salem (1980).

[47] Shah and Al-Qudsi (1989: 10, 20).

[48] Shah and Al-Qudsi (1989: 24).

[49] Farah et. al. (1980).