الفصل التاسع

أم المعارك

 

        وصف الرئيس العراقي صدام حسين حرب الخليج التي وقعت في عام 1991, بأنها ستكون "أم المعارك." وقد كان دقيقاً في ذلك الوصف, فكانت أم المعارك بحق, بالمعايير الإقليمية والدولية. فقد كانت الحرب الوحيدة في التاريخ, التي قاتل فيها تحالف مكون من 31 دولة,[1] ضد بلد صغير من بلدان العالم الثالث. وكان التحالف بقيادة الدول الإستعمارية الثلاث الأقوى في العالم: الولايات المتحدة, وبريطانيا, وفرنسا, وبتواطؤ الاتحاد السوفيتي والصين. كما وضعت الحكومات الخليجية ثرواتها النفطية تحت تصرف قيادة التحالف الأميركية, من أجل تمويل الحرب مهما بلغت التكاليف. وكانت النتيجة أن الحرب لم تكن إلاّ مذبحة للعراقيين, وتدميراً لمقدراتهم وإنجازاتهم التي صنعوها على مدى أجيال. ومع ذلك, لا زال العراق صامداً بعد أن لملم جراحه وبدأ في إعادة البناء بقدراته الذاتية, رغم الحصار الجائر الذي استمر بدون مبرر لأكثر من عشر سنوات بعد انتهاء الحرب.

        ولم يتوقف التدمير الذي تعرَّض له العراق على الأسلحة والصناعات العسكرية, وإنما امتد إلى صُلب الاقتصاد العراقي. وكانت الخسائر في الأرواح بين العسكريين والمدنيين هائلة, حيث استشهد مئات الآلاف منهم. وقد زادت نسبة الخسائر في الأرواح بين العسكريين العراقيين على مثيلاتها بين العسكريين في الحربين العالميتين الأولى والثانية.[2] وهكذا, فإن أم المعارك كانت بالفعل مثالاً على الإسراف في القتل والتدمير. ولذلك, فإن هذا الفصل سيعنى بتحليل ذلك الإسراف, خاصة فيما يتعلق بأهداف الحرب, وتكاليفها, وبحجم القتل والتدمير فيها.

 

أهداف الحرب

 

        لم تمضِ سوى أيام قليلة على الغزو العراقي للكويت, عندما قررت إدارة بوش اللجوء إلى خيار الحرب, كما مرَّ في الفصل السابع. وقد تم تخطيط الحرب طبقاً للمبدأ العسكري الأميركي المعروف "بالمعركة الأرض~جوية." ويركز هذا المبدأ على استخدام جميع الوسائل المتاحة من أسلحة نووية إلى حرب نفسية, من أجل إلحاق الهزيمة بالعدو. وقد تم تطبيقه في كل من غرينادا في عام 1983, وبنما في عام 1989. ويتمثل العنصر الرئيس في هذا المبدأ في استخدام حجم هائل من القوة لتحقيق نصر سريع.[3]

        فبحلول 25 أغسطس/آب 1990, تم إنجاز خطة أميركية للحرب من أربع مراحل. واشتملت الخطة على حملة جوية استراتيجية ضد العراق ذاته, وحملة جوية ضد القوات العراقية في الكويت, وتدمير قوات الحرس الجمهوري العراقية في جنوب العراق, وهجوم بري لإخراج القوات العراقية من الكويت.[4]

        وتستحق المرحلة الأولى من خطة الحرب اهتماماً خاصاً, لأنها استهدفت ضرب منشآت القيادة العراقية, وأنظمة الاتصالات, ومنشآت الإنتاج والتخزين, وكذلك شبكات الدفاع الجوي.[5] وفعلياً, فإن الحملة الجوية قد استهدفت تدمير ما سمي "بمراكز الجاذبية" العراقية, التي شملت البنى التحتية العسكرية, والصناعية, والمواصلاتية في البلاد. كما استهدفت تدمير المواقع الاقتصادية الأساسية مثل محطات توليد الطاقة, والمنشآت النفطية, والطرق, والجسور.[6] وهذا يعني أن تدمير مقدرات العراق كان هدفاً بحد ذاته. وهكذا, فإن إخراج القوات العراقية من الكويت لم يكن هو الهدف الحقيقي من وراء الحرب. فقد كان يمكن إنجاز ذلك بالمبادرات السلمية أو بالعقوبات الاقتصادية. لكن تدمير العراق كقوة إقليمية من شأنه أن يسمح للولايات المتحدة بالسيطرة على النفط العربي, وبحماية أمن إسرائيل, وبإزاحة تهديد محتمل لنفوذها في الخليج العربي, كما أنه يؤكد السيطرة الأميركية العالمية بصفة عامة.[7]

 

 

 

 

الحملة الجوية

 

          على إثر نجاح الولايات المتحدة وحليفاتها في استصدار القرار رقم 678, الذي أجاز استخدام القوة, أصدر مجلس الأمن الدولي إنذاراً للعراق بسحب قواته من الكويت قبل 15 يناير/كانون ثاني 1991. ولمَّا لم يحدث ذلك, شنت قوات التحالف حملتها الجوية على العراق بعد مرور 24 ساعة على انتهاء مدة الإنذار, أي في 17 يناير/كانون ثاني بتوقيت شرق الولايات المتحدة, واستمرت تلك الحملة مدة 38 يوماً دون توقف.[8]

          ولكي يحدث التدمير الذي تم التخطيط له, فإن العراق قد تعرض للقصف بعدد هائل من القنابل والصواريخ, التي بلغ وزنها حوالي 88,500 طناً.[9] وكان ذلك يعادل 7.5 قنبلة ذرية من حجم القنبلة التي ألقيت على هيروشيما في نهاية الحرب العالمية الثانية.[10] وقد بلغ عدد المهمات الجوية 108,043,[11] نفذت القوات الجوية الأميركية 83.6 بالمائة منها, بينما نفذت السعودية 6.5 بالمائة, ونفذت بريطانيا 5.1 بالمائة, وقامت فرنسا بتنفيذ 2.1 بالمائة من تلك المهمات.[12] وقد بلغ عدد القوات الأميركية 540,331 من مجمل قوات التحالف التي حضرت إلى السعودية والتي بلغت 630,282, أي بنسبة 86 بالمائة من تلك القوات. وعلى ذلك, كانت تلك الحرب أميركية بصفة أساسية. ونتج عن ذلك أن القوات الأميركية قد أصيبت بمعظم الخسائر في الأرواح من بين قوات التحالف, والتي بلغت 146 قتيلاً و 338 جريحاً, وتبعتها السعودية التي بلغت خسائرها 38 قتيلاً و 175 جريحاً.[13] وهكذا, فإن الحرب بصفة أساسية قد خططت ونفذت بقوات وأسلحة أميركية.

 

الصواريخ العراقية والضغوط الإسرائيلية

 

        لقد سيطرت القوات الجوية للتحالف على أرض المعركة منذ اليوم الأول للحرب. وتمثل الرد العراقي الهجومي بصفة أساسية بإطلاق 88 صاروخ, كان 42 منها موجهاً إلى إسرائيل, و 43 إلى القواعد الأميركية في السعودية, وثلاثة إلى القاعدة الأميركية في البحرين.[14] وبينما اعتبر القادة العسكريون للتحالف هذه الصواريخ بأنها غير هامة من الناحية العسكرية, نظر القادة السياسيون إليها على أنها خطيرة جداً لأن حوالي نصفها قد استهدف إسرائيل.

        وكانت الصواريخ العراقية قد طُورت من صاروخ سكود الروسي, الذي كان مداه الأصلي يصل إلى 200 ميل. وقد تمكن العراقيون في البداية من إنتاج نوعين متطورين من الصواريخ, هما: الحسين الذي يصل مداه إلى حوالي 450 ميلاً, والعبَّاس الذي يصل مداه إلى حوالي 600 ميل.[15] ثم تم إنتاج صاروخ متطور ثالث هو العابد, الذي بلغ مداه حوالي ألفي كيلومتر, أي 1243 ميلاً.[16]

وكان خوف قادة التحالف يتركز في احتمال قيام العراق باستخدام تلك الصواريخ لحمل الأسلحة الكيميائية والجرثومية خلال الحرب. وعلى الرغم من أن ذلك لم يحدث, إلاّ أنَّ وزير الدفاع الأميركي (دِك شيني) ورئيس هيئة الأركان المشتركة (الفريق باول) كانا يفكران باستخدام الأسلحة الذرية التكتيكية إذا ما استُخدمت الصواريخ العراقية لذلك الغرض. وكان لدى الإسرائيليين أيضاً نفس النوايا تجاه العراق. فقد قام إيهود باراك, الذي كان نائباً لرئيس هيئة الأركان الإسرائيلي, بنقل رسالة إلى إدارة بوش مؤداها أن إسرائيل كانت مستعدة لاستخدام الأسلحة الذرية في حالة استخدام العراق للأسلحة الكيميائية.[17] وأبعد من ذلك, كانت إدارة بوش تنوي تدمير السدود العراقية المبنية على نهري دجلة والفرات, بهدف إغراق بغداد بالفيضان.[18] ولو حدث ذلك لأدى لمقتل عدد لا يحصى من المدنيين. وقد قررت القيادة العراقية عدم استخدام الأسلحة الكيميائية خلال الحرب, على الرغم من أنه كان هناك 30 رأساً محملاً بتلك الأسلحة وجاهزة للاستخدام مع صواريخ الحسين.[19] وقد أدى ذلك القرار العراقي الحكيم إلى حرمان إدارة بوش وحلفائها في إسرائيل من تنفيذ تهديداتهم بالتدمير الشامل للعراق والمنطقة العربية ككل.

ورداً على الهجمات الصاروخية العراقية, تزايدت الضغوط الإسرائيلية على إدارة بوش. فقد أراد الإسرائيليون المشاركة المباشرة في الحملة الجوية على العراق. لكن إدارة بوش أقنعتهم بالإقلاع عن تلك الفكرة حتى يمكن الحفاظ على تماسك التحالف واستمراره. وبالنتيجة, فإن عدم ردهم المباشر قد مكن قوات التحالف من أن تنجز لهم "هدفهم الاستراتيجي الأسمى, ألا وهو تدمير القدرات العسكرية العراقية."[20] لكن ذلك لم يكن كافياً بالنسبة للإسرائيليين. لذلك, قام جيمس بيكر بإجراء مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي (شامير), توسل إليه خلالها قائلاً: "لا تجعلوا الأمر أكثر صعوبة علينا لننجز لكم مهمتكم."[21] وهذا اعتراف صريح من بيكر بأن قيام قوات التحالف بتدمير قدرات العراق كان يتم لمصلحة إسرائيل.

ولم يكن كل ذلك كافياً لإرضاء الحكومة الإسرائيلية, التي طلبت أن تقوم إدارة بوش باطلاع وزير دفاعها (أرينز) على نتائج الحملة الجوية. وعند حضور هذا إلى واشنطن في بداية فبراير/شباط 1991, قدَّم كل من شيني وباول تقاريرهما له عن كيفية سير الحملة الجوية. وكانا في ذلك وكأنهما يؤديان التمام لرئيسهما في العمل, الأمر الذي يلقي ضوءا آخر على طبيعة العلاقات الإسرائيلية~الأميركية. وقد عبَّر أرينز عن غطرسة القوة التي يشعر بها حتى أمام الرئيس بوش, ولم يتورع عن التعبير عن اعتقاده بأن إسرائيل يمكن أن تقوم بمهمة أفضل في تدمير الصواريخ العراقية, موحياً بأن القوات الأميركية عاجزة عن ذلك. عندها, شعر الرئيس بوش بالغضب من إهانات أرينز, وكتب في مذكراته بأن المتصلبين الإسرائيليين لم يقدموا سوى القليل من الشكر على ما كانت إدارته تحاول إنجازه لهم.[22] وبذلك, فإن بوش, مثله كمثل بيكر, قد اعترف هو الآخر بأن تدمير مقدرات العراق كان يتم لمصلحة إسرائيل.

وقد أصرَّ الإسرائيليون على تمكينهم من الاستقبال المباشر للمعلومات الاستخبارية من الأقمار الصناعية الأميركية, وذلك حتى يكون لديهم معلومات فورية عن تحرك القوات العراقية. وبالطبع, أذعنت إدارة بوش ومكنت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية من الحصول على نفس المعلومات المتوفرة لدى العسكريين الأميركيين.[23]

وبالإضافة إلى ذلك, طلب الإسرائيليون أن تقوم القيادة المركزية في الرياض باستقبال فريق من ضباطهم حتى يشاركوا في صنع القرارات التي تتخذها. وقد أدى الرفض السعودي لذلك الطلب إلى قيام القيادة المركزية بطمأنة الإسرائيليين عن طريق إخراج ثلث طائرات التحالف من الحملة الجوية وتحويلها إلى غرب العراق, في محاولة لتصيد منصات إطلاق الصواريخ العراقية, خلال ست دقائق من استعمالها. كما حاول الإسرائيليون الحصول على موافقة الأميركيين للسماح لهم بأن يقوموا بتدمير بعض المواقع العراقية بأنفسهم, والتي دمرتها طائرات التحالف من قبل. وبعد جهد طويل تم إقناعهم بالإقلاع عن تلك المحاولة لأن قوات التحالف كانت تقوم بالمهمة نيابة عنهم. وبالرغم من ذلك كله, استمر أعوان إسرائيل في واشنطن بممارسة ضغوطهم على إدارة بوش. وتمثل أولئك في السياسيين المتشددين الذين كانوا يضايقون شيني وباول, كما ذكر شوارزكوف.[24]

ومهما قيل عن الصواريخ العراقية, فقد كان لها أهمية بالغة في الصراع العربي~الإسرائيلي. فلأول مرة في تاريخ الصراع, تمكن قطر عربي من تطوير واستخدام تلك الأسلحة الاستراتيجية ليضرب بها العمق الإسرائيلي. وقد حدث ذلك على الرغم من المحاولات التي لم تتوقف من جانب أعوان إسرائيل للمحافظة على استمرار الاحتكار الإسرائيلي لهذه الأسلحة في المنطقة. وقبل الحرب, كانت إسرائيل تقوم بالغارات الجوية والبرية على عدد كبير من المدن والقرى العربية في فلسطين المحتلة, ومصر, والعراق, والأردن, ولبنان, وسوريا, وحتى تونس. وكان الرد العربي على تلك الهجمات لا يزيد على إطلاق بعض صواريخ الكاتيوشا على المستعمرات الحدودية الإسرائيلية, وبقيت المراكز السكانية الإسرائيلية لا تطالها الأسلحة العربية حتى أثناء حربي عام 1967 وعام 1973.[25]

          لكن الصواريخ العراقية وصلت إلى المدن الإسرائيلية, فأنهت الأسطورة التي نسجتها إسرائيل حول نفسها والقائلة باستحالة اختراق العرب لمجالها الجوي والوصول إلى عمقها السكاني. وأثبتت الصواريخ العراقية أن مقولة "إسرائيل التي لا تقهر" لم تكن إلاّ أسطورة خرافية قصد بها ثني العرب عن التفكير في مهاجمة إسرائيل. صحيح أن الهجمات الصاروخية العراقية لم تتسبب في خسائر تذكر في الأرواح أو المباني, لكن المهم هو المغزى والرسالة التي نقلتها للإسرائيليين. لقد بينت لهم أن العرب قد أصبحوا قادرين على الوصول لهم أينما كانوا, وإن كل ما جمعوه وامتلكوه من أسلحة وتقنية لم يعد قادراً على حمايتهم. والأخطر من ذلك أنهم قد أدركوا أنه كان بالإمكان لتلك الصواريخ أن تكون رؤوسها محملة بالأسلحة الكيميائية أو الجرثومية. وكان لذلك الإدراك تأثيراً نفسياً شديداً على الإسرائيليين.[26] وربما كانت تلك الحقيقة عاملاً رئيساً أسهم في إقناع حكومة شامير الليكودية المتطرفة بأن تقبل بالحضور إلى مؤتمر مدريد, بعد ذلك.[27] وربما أسهمت هجمات الصواريخ العراقية, بالإضافة للانتفاضة الفلسطينية , في إقناع الإسرائيليين بأن أمنهم لن يتحقق إلاّ من خلال سلام عادل في المنطقة, كما اعترف بذلك شمعون بيرِس.[28]

الحرب البرِّية

 

        كانت قوات التحالف تتمتع بتفوق جوي كامل طيلة فترة الحملة الجوية, الأمر الذي كان يعني أن تلك الحملة قد نجحت في تحقيق أهدافها. وإثباتاً على ذلك أن العراق قد قدم عدة مبادرات وعروض للانسحاب بدون شروط. وعلى الرغم من ذلك, فإن تلك العروض قد تم رفضها جميعاً, حتى لا يتم تمكين القوات العراقية من الانسحاب. فلم تكن إدارة بوش قانعة بحجم التدمير الذي ألحقته بالعراق وبالقوات العراقية في الكويت. والحقيقة أنها لم تكن تريد "إخراج تلك القوات من الكويت," وإنما كانت تريد تدميرها هناك. لذلك السبب, أمر الرئيس بوش بشن الحرب البرية التي لم تكن ضرورية أبداً. وقد أشار شوارزكوف إلى ذلك في كتابه عدة مرات قائلاً بأن الهدف الرئيس للحرب البرية كان تدمير القوات العراقية حتى لا تستخدم مرَّة أخرى.[29]

        وقد عرض العراق خمس مبادرات رئيسة على الأقل للانسحاب قبل الحرب البرية, قدمت من خلال الوساطة السوفيتية, لكن إدارة بوش رفضتها جميعاً. وقد قام وزير الخارجية السوفيتي بسميرتنخ بتقديم المبادرة الأولى لجيمس بيكر خلال اجتماعهما الذي عقد في 26 يناير/كانون ثاني 1991. وقد رفضها بيكر لأنها تتيح للعراقيين (كما قال) سحب قواتهم سليمة من الكويت.[30]

          وبعد ذلك بيومين, أي في 28 يناير, وافق بيكر على إصدار بيانين منفصلين مع السوفيت: واحد بشأن أزمة الخليج, والآخر بشأن الصراع العربي~الإسرائيلي. وقد أغضبت موافقته على إصدار البيان الثاني كلاً من الرئيس بوش ومستشاره للأمن القومي لأنهما رأيا فيه "ربطاً." واعترف بيكر بأنها كانت خطأ غير مقصود, ولم تكن تغييرا في السياسة الأميركية.[31]

        وكانت المحاولة السوفيتية الثالثة لتجنب الحرب البرية في 10 فبراير/شباط 1991. ففي ذلك التاريخ أعلن العراق عن موافقته على اقتراح بريماكوف (الذي كان في بغداد) القاضي بإعلانه قبول الانسحاب خلال مدة محددة, في مقابل وقف إطلاق النار. وكان رد بوش على ذلك تهكمياً, إذ استخدم في التعبير عن رفضه للمبادرة عبارة سوقية معروفة.[32]

        وكانت المبادرة الرابعة في 18 فبراير/شباط, خلال زيارة وزير الخارجية العراقي طارق عزيز لموسكو. في تلك المبادرة, وافق العراق على البدء في سحب قواته بدون شروط في اليوم التالي لوقف إطلاق النار, في مقابل عدم مهاجمتها أثناء الانسحاب. وقد رفضها بوش أيضاً لأنها تشكل حلاً غير مقبول بالنسبة له.[33]

        وكانت المبادرة الخامسة في 22 فبراير 1991. وقد طرحت عندما أجرى الرئيس غورباتشيف مكالمة هاتفية مع الرئيس بوش ليخبره فيها بأن العراق قد وافق على الشرط الأميركي بالانسحاب الفوري وغير المشروط لقواته, على أن يستكمل خلال ثلاثة أسابيع. كما أخبره بأن العراق قد وافق أيضاً على عدم ربط الانسحاب بالصراع العربي~الإسرائيلي, ولكنه يطلب إلغاء قرارات الأمم المتحدة. وقد رفض بوش المبادرة بسبب الشرط الأخير, وزاد على ذلك بأنْ أمر وزير إعلامه (مارلين فتزووتر) بإصدار الإنذار الأخير للعراق. وجاء في الإنذار أنه لكي يتمكن العراقيون من تجنب الحرب البرية, فإن عليهم أن يوافقوا على جميع القرارات التي أصدرها مجلس الأمن بشأن الأزمة, وأن يبدأوا الانسحاب الشامل بحلول ظهر اليوم التالي, 23 فبراير/شباط 1991 بتوقيت نيويورك, وأن يكملوا انسحابهم خلال أُسبوع. وفي المقابل, وعدت الولايات المتحدة "بألاّ تطلق النار على القوات المنسحبة."[34]

        وكان من المستحيل على العراقيين أن يفعلوا ذلك. فلم يكن بإمكان القيادة العراقية الاتصال السريع بقواتها في الكويت بعد تدمير معظم وسائل الاتصالات أثناء الحملة الجوية. وحتى لو تمكنت من ذلك, كان من المستحيل إنجاز الانسحاب في خلال أُسبوع. وفعلياً, لم يكن هناك وقت كاف للقيادة العراقية حتى لتعلن ردها على ذلك الإنذار. وهكذا بدأت الحرب البرية في 24 فبراير/شباط 1991, واستمرت حتى الساعة الثامنة صباحاً من يوم 28 فبراير/شباط 1991, على الرغم من بدء الانسحاب العراقي الذي تم إعلانه رسمياً في اليوم التالي, أي عند منتصف ليلة 25 فبراير/شباط.[35]

        وحتى يتم إنجاز الهدف الرئيس للحرب البرية, ألا وهو تدمير القوات العراقية, كانت خطتها تقضي بقيام الفيلق الأميركي السابع بتطويق وتدمير وحدات الحرس الجمهوري. كما كانت تقضي بقيام الفيلق الثامن عشر المحمول جواً بإغلاق طريق خروج القوات العراقية عند نهر الفرات.[36] وكان الهدف من ذلك التأكد من "عزل القوات العراقية المنسحبة وقتلها."[37]

        وقد كان القادة العسكريون لقوات التحالف, وعلى رأسهم الفريق شوارزكوف, يعلمون أن الحرب البرية غير ضرورية لأن الحملة الجوية قد حققت الهدف عن طريق إلحاق خسائر فادحة في صفوف القوات العراقية في الكويت. لذلك, فإنهم لم يطلبوها, وزادوا على ذلك بالتعبير عن غضبهم إزاء إصرار الزعماء السياسيين عليها. وقد وصف شوارزكوف شعوره عندما أحس بأنه كان يتم دفعه لشن الحرب البرية, فقال:

كانت زيادة الضغط عليَّ لشن الحرب البرية مبكراً تدفعني للجنون. كان بإمكاني أن أتصور ما كان يجري بالنسبة لشيني وباول اللذين وقعا في الوسط بين الطرفين (أي بين القادة العسكريين الميدانيين من ناحية والسياسيين من أعوان إسرائيل من ناحية أخرى - المؤلف). فقد كانت هناك مجموعة من صقور الحرب في واشنطن, الذين لم يهدأ لهم بال حتى نقوم بمعاقبة صدام (كذا!). وعلى الرغم من أننا قد قصفنا العراق بالقنابل لأكثر من شهر, فإن ذلك لم يكن كافياً بالنسبة لهم. ويبدو أنهم قد شاهدوا جون وين في فيلم القبعات الخضراء, وكذلك شريطي (فلمي) رامبو وباتون, وبعدها أصبح من السهل عليهم أن يضربوا بقبضاتهم على مكاتبهم ويقسموا بالله أن يذهبوا إلى هناك (إلى أرض المعركة) ليركلوا مؤخرات (الأعداء)."[38]

        وقد أشار شوارزكوف أيضاً إلى أن صقور الحرب هؤلاء في واشنطن,[39] وليس القادة العسكريون في القيادة المركزية, هم الذين كانوا يصرُّون على عدم إعطاء العراقيين أية فرصة للانسحاب من الكويت وهم على قيد الحياة. فعندما عرض العراق الانسحاب خلال ثلاثة أسابيع, رفض بوش ذلك وعرض أسبوعاً واحداً فقط. وكان الهدف واضحا وهو عدم إعطاء الجنود العراقيين فرصة للنجاة بأرواحهم. وكان شوارزكوف يعلم أن ذلك معناه إزهاق أرواح أكثر من خمسين ألف آخرين من الجنود العراقيين. لذلك, فإنه حاول إقناع باول بأن التحالف قد حقق أهدافه وأنه لم تكن هناك حاجة لمزيد من القتل.[40] وحاول باول, بدوره, مع الرئيس بوش لإقناعه بالسماح للجنود العراقيين بالانسحاب بدلاً من الدمار الذي ستجلبه الحرب البرية. لكن بوش أصر على أنه لا بد من "تحطيمهم بالقوة, لأن ذلك أفضل من الانسحاب." فأجابه باول: "ولكن بأي ثمن؟" (يعني أنه ستكون هناك خسائر فادحة في أرواح العراقيين بدون مبرر).[41]

        وفي 18 فبراير/شباط 1991, اتصل شيني وباول بشوارزكوف ليخبراه بأن مجلس الأمن القومي قد قرر أنْ تبدأ الحرب البرية بأسرع وقت ممكن حتى لا يُعطى الجنود العراقيون أية فرصة للانسحاب من الكويت وهم على قيد الحياة. كما أخبراه بأن غورباتشيف أرسل عرضاً جديداً يهدف إلى تجنب الحرب البرية, ولكنه رُفض أيضاً. وبدلا من ذلك, طلبت وزارة الخارجية استسلاماً عراقيا دون قيد أو شرط. عند تلك النقطة, أجاب شوارزكوف بأنه لو أُتيح لأي مستعرب (دارس للثقافة العربية) النظر في هذا المطلب, فإنه سيخبرهم بأن مثل هذا الإنذار "لا ينفع مع العرب: فهم يفضلون الموت على ذلك." واستطرد شوارزكوف قائلاً:

"إن الأمر يتعلق بالأرواح," هكذا أبلغت باول, "لقد كبدنا العراقيين حوالي مائة ألف قتيل, بينما لم نخسر سوى مائة من جانبنا. فلماذا نكبِّدهم مائة وخمسين ألفاً؟" فقال شيني: "لا أفهم لماذا يصر السوفيت على حشر أنفسهم من الأساس." فأجبته قائلاً: "لأن الأمر يستحق ذلك. فصدام يحتاج إلى وساطة, لأن تلك هي طريقة العرب في التعامل. فهو لن يفاوض مباشرة, لأن ذلك يمكنه من أن يعلن فيما بعد أي شيء يريده, مهما كان ما وقَّع عليه, وذلك لأنه لم يتحدث إلى عدوه مباشرة."[42]

        وعلى الرغم من هذه المحاولة من شوارزكوف لتجنب الحرب البرية, إلاّ أنَّ صقور الحرب في واشنطن قد رفضوها لأنها كانت ستمكن بعض القوات العراقية من الانسحاب مع معداتها بسلام. وقد اعترف مستشار الرئيس بوش لشئون الأمن القومي (برنت سكوكروفت) بأنه كان نافذ الصبر-- مثل بوش -- بشأن بدء الحملة البرية على الرغم من معارضة القادة العسكريين والوزير بيكر في ذلك.[43]

        وقد استمرت الحرب البرية من 24 فبراير/شباط إلى 28 فبراير/شباط 1991, كما تم تمديدها من أربعة أيام إلى خمسة أيام قصداً, ودون الحاجة الفعلية لذلك. وقد روى الفريق باول أن فكرة تمديد الحرب البرية ليوم آخر تم اقتراحها أولاً من قبل شوارزكوف. والعجيب أن ذلك صدر عنه وهو الذي كان يحاول تجنبها كلية. ولكن ما إن بدأت, حتى أخذ يسرف في تصرفاته, وهذه واحدة منها. فذكر باول أن شوارزكوف أراد تمديد الحرب يوماً آخر حتى تتم الإشارة إليها مستقبلاً على أنها حرب الخمسة أيام. وكان ذلك بالطبع تقليداً للإسرائيليين الذي يتبجحون بوصف حرب عام 1967 على أنها حرب الأيام الستة. ولا يخفى على أحد أن قصد الإسرائيليين من ذلك أنهم قد أنجزوا حربهم في نفس المدة التي استغرقها الله عز وجلّ في خلق الكون[44] (وحاشى لله سبحانه وتعالى من ذلك التشبيه).

        ولا يمكن أن يكون هناك إسراف أكثر من تمديد حرب لا لسبب إلا لكي تذكر كتب التاريخ فيما بعد بأنها كانت حرب الخمسة أيام, وبأنها أقصر بيوم واحد من الإنجاز الإسرائيلي في عام 1967, وكأن لسان حال شوارزكوف يقول بأنه قد تفوق على أساتذته الإسرائيليين. وهكذا, وحتى يتحقق ذلك الهدف الدعائي, لا يهم إذا كان الثمن هو أرواح عشرات الآلاف من الجنود العراقيين المنسحبين.

الإسراف في القتل والتدمير

 

        تميزت حرب الخليج التي شنت على العراق في عام 1991 بالإسراف في كافة المجالات. وتجلى ذلك في عدد قوات التحالف التي حشدت للمعركة, وفي عدد الغارات الجوية التي نفذت, وفي تكاليف الحرب. ومع ذلك, فلا يمكن مقارنة ذلك كله مع الإسراف في قتل الجنود العراقيين, خاصة أثناء انسحابهم شمالاً أثناء الحرب البرية. وكان ذلك مناقضا لتأكيدات جيمس بيكر التي قدمها لطارق عزيز أثناء اجتماعهما في جنيف, حيث قال بأن "الأميركيين لا يطلقون النار على أعدائهم من الخلف."[45] كما كان مناقضاً لإعلان الرئيس بوش في 24 فبراير/شباط 1991 بأن "قوات التحالف لن تهاجم الجنود المنسحبين غير المسلحين."[46] وقد اعترف الوزير بيكر بذلك الإسراف عندما حاول أن يشرح سبب انتهاء الحرب "قبل أوانها" (!!!), فقال:

"كان الطيارون الأميركيون عند عودتهم من مهماتهم يتحدثون عن قتل العراقيين بإطلاق النار عليهم كالطيور, أثناء انسحابهم شمالاً على ما أصبح معروفاً فعلياً بطريق الموت. ثم ما لبثت الأخبار المروِّعة المدعمة بالصور عن المجزرة أن وصلت, الأمر الذي جعل السوفيت يكثفون محاولاتهم لإيقاف الحرب البرية. وأصبحت هناك مخاوف حقيقية من أنهم يمكن أن يقوموا بشق التحالف عن طريق دعوتهم لمجلس الأمن لإيقاف المذبحة المستمرة. أما في أميركا, فقد بدأ الناس يفكرون بأن هذه الحرب قد أصبحت غير أميركية (في صفاتها !!!), وأنها أصبحت سهلة جدا وشرِّيرة, ولذلك ينبغي وقفها."[47]

        واستمر جيمس بيكر في وصفه لما حدث على الطريق رقم 6, الذي صار يعرف بطريق الموت, فأشار إلى أن "طياري التحالف قد هاجموا الجنود العراقيين المنسحبين في الخلاء المكشوف في اليوم الأخير من الحرب ... فكان الحطام متناثراً على الرمال لمئات الياردات على جانبي الطريق."[48]

        وعندما بدأت بعض التقارير الإعلامية تظهر عن المذبحة, اتصل كولن باول بشوارزكوف هاتفياً ليخبره بأن البيت الأبيض قد أصبح عصبياً. وأضاف له بأن تلك التقارير تجعل الأمر وكأنه قتل شهواني. وحتى الفرنسيون والبريطانيون (حلفاء أميركا), بدأوا يطالبون بوضع حد لذلك "القتل الشهواني."[49]

        كان ذلك كله يحدث على الرغم من الإعلان العراقي بالانسحاب من الكويت, والذي بدأ فعلياً عند الساعة 2:15 من صباح يوم 25 فبراير, أي بعد 46 ساعة من بدء الحرب البرية.[50] ولكن الإدارة الأميركية لم تعبأ لا بالإعلان الرسمي ولا بالانسحاب الفعلي. واستمر قتل الجنود العراقيين المنسحبين لا لشيء إلا لأن القتل والتدمير كانا هدفين مقصودين بحد ذاتهما من ضمن أهداف الحرب البرية. فعندما أعطى الفريق شوارزكوف أوامره للفريق غاري لَك, قائد الفيلق الثامن عشر المحمول جواً, قال له: "إن مهمتك تقتضي بإنزال أقصى تدمير ممكن بالآلة العسكرية العراقية. فينبغي عليك أن تدمر كل معدات القتال. فلا تمر عليها مرور الكرام في أرض المعركة. لا نريد أن يعود العراقيون لمقاتلتنا مرة أخرى بعد خمس سنوات من الآن."[51] وبالطبع, فعندما كان يتم تدمير المعدات, كان يتم قتل الجنود أيضاً.

        وكانت مذابح الجنود العراقيين أكثر عنفاً داخل الحدود العراقية. فحسب خطة الحرب البرية, قام الفيلق الأميركي الثامن عشر المحمول جواً تسانده الفرقة الأميركية الثامنة عشرة المحمولة جواً وفرقة الدروع الفرنسية الخفيفة باختراق عميق في غربي العراق. ثم قامت الفرقتان 101 المحمولة جواً و24 للمشاة بالتحرك شمالاً باتجاه وادي نهر الفرات. وقام الفيلق الأميركي الثامن تسانده الفرقة البريطانية الأولى المدرعة بشن الهجوم الرئيس الذي كان يهدف إلى تدمير فرقة توكلنا للحرس الجمهوري العراقي. أما فرقتا الحرس الجمهوري الأخريين (المدينة وحمورابي), فقد كان بانتظارهما الفرقتان المذكورتان (101 و 24) عند نهر الفرات. ولم يقتصر التدمير على فرق الحرس الجمهوري, وإنما امتد ليشمل القوافل العراقية المنسحبة من الكويت, والتي تم ضربها في المنطقة التي سماها المخططون الأميركيون "صندوق الموت," والتي كانت تقع بين البصرة ونهر الفرات.[52]

        ونتج عن ذلك كله مذبحة رهيبة. فقد ذكرت تقارير المخابرات المستقاة من دوريات مشاة البحرية, التي وصلت إلى خلف الخطوط العراقية, بأن الخنادق العراقية الأمامية كانت إما خالية أو مليئة بالجثث. وقد أكد الفريق باول هذه الحقيقة أثناء اجتماع مجلس الحرب في 27 فبراير/شباط 1991, عندما قال: "بدون مبالغة, إننا نقتل آلاف الناس ... العراقيون يحاولون النجاة على طول "طريق الموت" (دون جدوى)[53]

        وعلى الرغم من هذا الاعتراف بالإسراف في القتل والتدمير من قبل وزير الخارجية الأميركي ورئيس هيئة الأركان المشتركة, إلاّ أنَّ معظم قادة التحالف قد حاولوا تجنب الإشارة إلى العدد الضخم من الخسائر في أرواح الجنود العراقيين, والتي أُزهقت بدون مبرر خلال الحملة الجوية والحرب البرية. فالرئيس بوش, مثلاً, لم يشر إلى المسألة إلاّ في الصفحة الأخيرة من مذكراته عن الحرب, حيث ذكر أن القوات العراقية قد "تكبدت 50,000 قتيل (شهيد) وربما أكثر."[54] وقد تراوحت بعض التقديرات الأميركية عن الخسائر العراقية في الأرواح ما بين 25,000 و 300,000 شهيد.[55] وذكر نائب شوارزكوف (الفريق بَك روجرز) أنها وصلت إلى 200,000, خلال الحرب.[56] وسواء كانت الحقيقة تكمن في أقل هذه الأرقام أو أكثرها, فإن الأهم أن هذه الأرواح قد أزهقت بدون مبرر, نتيجة لحرب أسرف مخططوها ومنفذوها في القتل والتدمير.

        كذلك, كان للحرب ضحاياها من المدنيين الأبرياء, على الرغم من ادعاء شوارزكوف بأنهم لم يكونوا هم المقصودين بقنابل التحالف التي أسقطت عليهم أو بالقرب منهم. فالقنابل التي دمرت المنشآت الكيميائية والنووية قد عرَّضت سكان العراق المدنيين لأخطار أثرت عليهم لسنين عديدة بعد الحرب. فزادت الإصابة بأمراض السرطان والتلوث الإشعاعي بنسب عالية أدت لوفاة مئات الآلاف, خاصة من الأطفال, خلال العقد الذي تلا الحرب (لمزيد من التفصيل حول هذا الموضوع, أنظر مقالة هدى صالح مهدي عمَّاش).[57] وبالإضافة إلى ذلك, فإن القنابل التقليدية (الغبية) قد مثلت حوالي 93 بالمائة من إجمالي من القنابل التي أسقطت على العراق. وكانت نسبة دقة تلك القنابل (الغبية) في إصابة الهدف لا تزيد عن 25 بالمائة, وذلك يعني أنه كانت هناك إصابات كثيرة بين المدنيين الذين يشير إليهم المخططون العسكريون الأميركيون "بالتدمير الجانبي."[58]

        وعلى الرغم من أن كثيراً من المدنيين قد استشهدوا خلال الحرب, إلا إنه لم يُذكر عنهم إلاّ القليل. وفي حادثة نقلها للعالم مراسل محطة سي ان ان التلفزيونية الأميركية (بيتر أرنيت), في 12 فبراير/شباط 1991, تم ضرب ملجأ العامرية بقنبلتين (ذكيتين !!!) أوديتا بحياة مئات المدنيين العراقيين, الذين كان معظمهم من النساء والأطفال. وقد أصر شوارزكوف على أن الملجأ كان "هدفاً عسكرياً مشروعاً."[59] وبعد تقريره ذاك, تعرَّض بيتر أرنيت لانتقادات شرسة من قبل صقور الحرب في الحكومة ووسائل الإعلام. فلم يكونوا يريدونه أن يظهر للشعب الأميركي إحدى جوانب الحرب التي حاولوا جاهدين إخفاءها عنه, ألا وهي الخسائر البشرية, وخاصة في المدنيين. لكن بيتر أرنيت أثبت أنه يختلف عن معظم الإعلاميين الغربيين الذين غطوا الحرب, وخاصة أولئك الذين كانوا يقبلون الرقابة العسكرية الأميركية, ولا ينشرون أو يذيعون إلا ما كانت تسمح لهم أن يروه أو يعرفوه. وهكذا, فإن الشعب الأميركي لم تكن لديه إلاّ أقل الفرص لمعرفة ما حدث لمئات الآلاف من العراقيين الذين أصرت إدارة بوش على إزهاق أرواحهم خلال الحرب بدون مبرر.

        وقد أصبحت الخسائر البشرية العراقية الهائلة موضوعاً حساساً عمل معظم القادة السياسيين والعسكريين في دول التحالف على تجنبه, في كتبهم ومذكراتهم التي نشروها أو أدلوا بها بعد الحرب. وصحيح أن كل نفس إنسانية غالية بذاتها, لكن الصحيح أيضاً أن عدد الكويتيين الذين فقدوا حياتهم خلال الأزمة والحرب لم يتعد بضع مئات. كذلك فإن قتلى قوات التحالف بلغوا عدة مئات أيضاً, والكثير منهم ماتوا نتيجة "نيران صديقة" (أي أن بعض قوات التحالف قتلت بعضها الآخر عن طريق الخطأ). ولم يقتل إلا اثنان من الإسرائيليين بشكل مباشر, بينما قتل أحد عشر منهم بشكل غير مباشر بعد قصف بعض المدن الإسرائيلية بالصواريخ العراقية.[60] لذلك, لم يكن هناك مبرر لإسراف قوات التحالف في القتل والتدمير الذي ألحقته بالقوات العراقية وبالعراق نفسه. ولعدم وجود مبرر لذلك, لم يتناول هذا الموضوع إلا عدد صغير جداً من الذين كتبوا عن الحرب. وقد حاول بعض هؤلاء القيام بالتغطية على ذلك الإسراف عن طريق محاولة جعل الخسائر العراقية تبدو وكأنها أقل من الحقيقة بكثير.

        وقد قدر الفريق شوارزكوف أنه بحلول 9 يناير/كانون ثاني 1991, كان هناك 38 فرقة عراقية على أرض المعركة. واشتمل ذلك على 545,000 جندي, و4,300 دبابة, و3,100 مدفع.[61] ومع نهاية الحرب, كانت 27 فرقة (أي 70 بالمائة منها) قد دمرت.[62] وإذا ما افترضنا بأن تلك الوحدات كانت متساوية العدد, فإن عدد الجنود الذين استشهدوا أو جرحوا كان يمكن أن يصل إلى 380,000 جندي. وهكذا, فإن تقديرات شوارزكوف التي بلغت مائة ألف من القتلى أثناء الحملة الجوية, وخمسين ألفا خلال الحرب البرية لم تكن من قبيل المبالغة.[63] وقد بلغت تقديرات أخرى 220,000,[64] و 200,000,[65] و 50,000.[66]

        ومع ذلك, حاول بعض الكتاب التقليل من الخسائر العراقية في الأرواح, بهدف تجنب الأضرار التي يمكن أنْ تلحق بإدارة بوش إذا ما عرف الناس مدى إصرارها على الإسراف في القتل والتدمير. وكان على رأس هؤلاء لِس أسبن, رئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب الأميركي وأحد الديمقراطيين القلائل الذين ساندوا إدارة بوش في الأزمة. فقد كتب تقريراً في هذا الخصوص بالاشتراك مع عضو آخر في مجلس النواب, هو وليام ديكنسُن.[67] وادعى الاثنان أن عدد العراقيين الذين استشهدوا أثناء الحملة الجوية لم يكن كبيراً. لكنهما اعترفا منذ البداية بأنه لا توجد إحصائيات دقيقة عن الخسائر البشرية. لذلك, فإن تقديراتهما قد اعتمدت على إحصاء عدد الدبابات, وحاملات الجنود المدرعة, ووحدات المدفعية العراقية. وبناء على ذلك, فإن مكتب الشئون العامة بوزارة الدفاع (المصدر الرئيس لمعلوماتهما) قد أجرى بعض الحسابات البسيطة لمعرفة عدد القوات العراقية. لقد تم ضرب عدد الفرق العراقية في الكويت (التي كان يعتقد في البداية أنها 42 فرقة) في عدد الجنود الذين يؤلفون كل فرقة (حسب تقدير المخابرات لذلك). ونتج عن ذلك تقدير عدد الجنود العراقيين في الكويت بحوالي 547,000 جندي. ولكن بعد الحرب, أفاد كبار الضباط من الأسرى العراقيين بأن العديد من تلك الفرق كانت تعد بأقل من ذلك بكثير. وخلص التقرير إلى أنه كان هناك 183,000 جندي عراقي فقط في الكويت. وقع 63,000 منهم في الأسر. أما بقيتهم (وهم 120,000 جندي), فإنهم إما تمكنوا من العودة للعراق أو استشهدوا خلال الحرب البرية.[68]

          وفي شرحهما لتلك الاستنتاجات, أشار أسبن وديكنسُن إلى أن الرقم الأصلي (547,000 جندي) قد تم تعديله بعدما تم اكتشاف أن الوحدات العسكرية العراقية لم تكن بكامل قوتها, وأنها كانت أقل مما كان ينبغي أن تكون عليه بحوالي 185,000 جندي. وهذا يعني أن عدد القوات العراقية الحقيقي كان 362,000 وليس 547,000, كما كان يعتقد أصلاً. لكن, ماذا حدث لهؤلاء, على أية حال؟ أجاب التقرير أن 17,000 منهم قد جرحوا, و 9,000 قد استشهدوا خلال الحملة الجوية, و 63,000 قد أسروا, و 153,000 قد تركوا مواقعهم.[69]

        وإذا ما تم تحليل هذه الأرقام, فليس من الصعب اكتشاف أنها غير دقيقة ولا يمكن الاعتماد عليها, لثلاثة أسباب رئيسة. فأولاً, إنَّ الزعم بأن 153,000 جندي عراقي قد تركوا مواقعهم مبني على أقوال الضباط العراقيين الذين وقعوا في الأسر, والذين كانت نسبتهم 12 بالمائة فقط من حجم القوات التقديري. وبالطبع, فإن هذا الزعم ليس دليلاً يمكن استخدامه للتعميم حول الغالبية العظمى (88 بالمائة) المتبقية من القوات العراقية. وعلى الأرجح, فإن الكثير من هؤلاء قد استشهدوا ودفنوا داخل ملاجئهم وخنادقهم, على أرض المعركة.

        ثانياً, الزعم الآخر بأن حوالي 120,000 من القوات العراقية قد نجا بعضهم أثناء الحملة الجوية بينما استشهد البعض الآخر أثناء الحرب البرية, لا يمكن الاعتماد عليه. ففي صفحتي 32 و 34 من التقرير, هناك إشارة إلى أن هذه القوات قد نجت. ومع ذلك, نجد في صفحة 35 أن هذه القوات تم وصفها بأنها "نجت أو قتلت أثناء الحرب البرية."[70] ولم يحاول التقرير إطلاقاً أن يبين كم عدد الشهداء وكم عدد الذين نجوا من هذه القوات. ويمكن إرجاع عدم الوضوح في هذا التقرير لحقيقة أنه مبني بصفة رئيسة على "التخمينات," وعلى الأمل أن تكون الأرقام المستخدمة دقيقة. وعلى ذلك, فإن هذه التقديرات لم تكن في الحقيقة إلا أماني واضعيها.

        أخيراً, فإن هذه الأرقام لم تشمل الخسائر في الأرواح داخل العراق, خلال الحملة الجوية والحرب البرية. وهكذا, فإن تقرير أسبن وديكنسُن قد فشل في تحدي تقديرات شوارزكوف. وعندما نشر بوش مذكراته في عام 1998, بدا وكأنه أكثر تصديقا لتقديرات شوارزكوف من تقديرات أسبن. ومع ذلك, فإنه حاول التقليل من الخسائر العراقية في الأرواح عندما ذكر بأنها زادت عن 50,000.[71]

        وقد قام جون ج هايدنرِتش بمحاولة أخرى للتقليل من الأضرار التي كانت ستلحق بإدارة بوش لو عرف الناس مدى إصرارها على الإسراف في القتل والتدمير. وكان هايدنرِتش محللاً عسكرياً لدى وزير الدفاع (شيني) ورئيس هيئة الأركان المشتركة (باول) أثناء الحرب. وكانت محاولته مكشوفة تماما بالمقارنة مع محاولة أسبن وديكنسُن, التي كانت مبطنة قليلاً. ففي الصفحة الأولى من مقالته, ذكر بأن تقديرات شوارزكوف لم تكن إلاّ إشاعات مبنية على التقارير الميدانية الأولية "الخادعة." وهكذا, كانت مهمته في غاية الوضوح: التقليل من الضرر الذي أحدثته تقديرات قائد قوات التحالف. ومع ذلك, فإنه لم يدعم ادعاءاته بأية وثائق أو معلومات رسمية من وزارة الدفاع. وعلى العكس من ذلك, فإن الأرقام التي استخدمها قد دعمت التقديرات التي ذكرها شوارزكوف. وبدلاً من الاعتماد على معلومات رسمية من وزارة الدفاع, التي كان يعمل بها, اعتمد على النسب التاريخية للخسائر في الأرواح, في الحروب السابقة. وقد حاول جاهداً أن يدَّعي بأن الخسائر العراقية في الأرواح كانت صغيرة جداً, لا تتعدى 9,500 شهيدا, و25,000 جريحاً. وكانت محاولته أقل جدية من محاولة أسبن وديكنسُن, ولكنها محاولة محزنة أسهمت في إخفاء الحقيقة عن الشعب الأميركي, من خلال التشكيك في أقوال المسئولين (في هذه المرة). فذكر هايدنرِتش أنه من بين الأسرى العراقيين, الذين وصل عددهم إلى حوالي 100,000 (لاحظ الاختلاف في عدد الأسرى عن العدد الذي ذكره تقرير أسبن وديكنسُن), لم يكن هناك أكثر من ألفي جريح. ولم يوضح كيف يمكن لحوالي 98,000 جندي غير جريح أن يقعوا في الأسر, بينما تمكن حوالي 23,000 من الجرحى النجاة من الموت والأسر والوصول إلى العراق. وقد وقع في خطأ آخر, عندما لم يذكر احتمالات الخسائر في الأرواح داخل العراق, نتيجة للحملة الجوية التي استغرقت 38 يوما.[72] وبالمختصر المفيد, فإن مثل تلك المحاولات, التي كانت تهدف للتقليل من الأضرار التي يمكن أن تلحق بإدارة بوش, قد أثبتت بأنها فاشلة ولا تستطيع الصمود في وجه قليل من التحليل. وحتى بعد انتهاء الحرب بسبع سنوات, اعترف الرئيس بوش بأن الخسائر العراقية في الأرواح قد زادت على 50,000.[73] وبهذا فإنه كذَّب تلك المحاولتين اليائستين, على الرغم من أنه هو نفسه حاول التقليل من الضرر عن طريق تقليل الرقم أيضاً.

 

تكاليف الحرب

 

          من المستحيل تقدير مدى الألم والدمار المعنوي الذي أنزلته الحرب على ضحاياها. كما أنه من المستحيل أيضاً تقدير مدى الدمار المادي غير المباشر الذي تسببت به تلك الحرب المسرفة. أما بشأن التقديرات الخاصة بالتكاليف المادية المباشرة التي دفعت لتنفيذ الحرب, فهناك تقدير بأنها زادت على مائة بليون دولار.[74] وقد دُفعت معظم تلك التكاليف من قبل السعودية والكويت والأقطار الخليجية الأخرى. وإذا ما أضيفت الزيادة في مشتريات الأسلحة والإنفاق العسكري في تلك الأقطار بعد الحرب إلى الخسائر العراقية الهائلة, فإن النتيجة تصبح رقماً خيالياً يصل إلى أكثر من 600 بليون دولار.[75]

        كذلك, فإن الحرب قد أسهمت في زيادة الإنفاق العسكري في منطقة الخليج العربي والولايات المتحدة على حد سواء. ونتيجة لذلك, فإن تكاليف الحرب غير المباشرة قد اشتملت على تخفيض معدلات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في منطقة الخليج, وعلى زيادة معاناة الفقراء في الولايات المتحدة, بسبب تخفيض الإنفاق العام على الرعاية الصحية, والمساعدات الاجتماعية, وإسكان ذوي الدخل المحدود, والتعليم العالي. أما في العراق والأقطار العربية التي ساندته (فلسطين وليبيا) أو التي وقفت على الحياد (الأردن واليمن), فمن المستحيل تقدير الخسارة المادية. فقد خسر حوالي نصف مليون فلسطيني وحوالي مليون يمني أعمالهم في الكويت والسعودية. وخسر الأردن علاقاته التجارية مع العراق نتيجة للحظر. وتعرض الاقتصاد الليبي لخسائر فادحة نتيجة للحظر الذي فرض على ليبيا طيلة التسعينات (بحجة حادثة لوكربي).

        وعندما طاف الوزير بيكر منطقة الخليج العربي لجمع المساهمات المالية, في 6 و 7 سبتمبر/أيلول 1990, دفعت الحكومة السعودية مبلغ 17 بليون دولار, ودفعت الحكومة الكويتية (في المنفى) مبلغاً مماثلاً. وفوق ذلك, تعهد الملك فهد بأن بلاده ستزود قوات التحالف بكل ما تحتاجه من طعام, ووقود, وماء, وملجأ, ومواصلات محلية, ومباني -- دون أن تتكلف تلك القوات شيئا. وبالإضافة إلى ذلك, فإن وزارة الدفاع الأميركية كانت تطالب السعودية بدفع أية تكاليف لعملياتها, حتى أنها قدمت فاتورة بمبلغ 2.6 بليون دولار, شملت 1.9 بليون دولار لتغطية تكاليف النقل الجوي والبحري للقوات والإمدادات الأميركية.[76] وقد وصلت تكاليف وجود القوات الأميركية في السعودية بعد ذلك إلى حوالي بليون دولار شهرياً. كما وصلت التكاليف المباشرة إلى حوالي 60 بليون دولار مع نهاية الحملة الجوية.[77] وإذا ما أضيفت تكاليف الحرب البرية وما لحقها, بما في ذلك بقاء قوات التحالف في السعودية لعدة أشهر أخرى, فإن مبلغ المائة بليون دولار السابق ذكره لا يصبح بعيداً عن الحقيقة.

        وكان الإنفاق السعودي على قوات التحالف غاية في السخاء. ونتيجة لذلك, ربما كانت حرب الخليج هي الأولى في التاريخ التي لم تفقد فيها القوات وجبة واحدة. فقد تم إمداد 750,000 جندي بالطعام كل يوم على نفقة السعودية. كما تم تزويد القوات الأميركية وحدها بمليوني غالون من مياه الشرب يومياً. ووصل استهلاك الفيلقين الأميركيين من الوقود إلى حوالي 4.5 مليون غالون يومياً.[78]

        وقد صادف ذلك الإنفاق السخي هوى لدى شريحة هامة من المواطنين السعوديين, ألا وهي شريحة المقاولين. فقد غمر هؤلاء سرور بالغ وهم يزودون القوات الأميركية الشرهة بما تحتاجه. وقد بلغ الإنفاق السعودي على تلبية حاجات قوات التحالف من طعام وشراب ومسكن ووقود ومباني حوالي 10 بليون دولار, ذهبت إلى جيوب أولئك المقاولين. وبالإضافة إلى ذلك, فإن وزارة المالية السعودية قد دفعت للخزينة الأميركية مباشرة حوالي 14 بليون دولار, كما دفعت 3.5 بليون دولار أخرى مباشرة لخزائن بعض الدول التي شاركت في المجهود العسكري للتحالف.[79]

 

مؤتمر صفوان

 

        بناء على الخطة التي اتفق عليها الرئيس بوش مع القادة العسكريين, أعلن وقف إطلاق النار في 27 فبراير/شباط 1991. وتوقف ذلك على وقف القتال من جانب القوات العراقية, وإنهاء الهجمات الصاروخية العراقية, والإطلاق الفوري لسراح أسرى الحرب والمحتجزين من المدنيين الكويتيين, وتنفيذ العراق لقرارات الأمم المتحدة.[80]

        وحتى يتم بحث تفاصيل وقف إطلاق النار, التقى القادة العسكريون للتحالف مع ممثلي القيادة العسكرية العراقية في صفوان, وهي منطقة عراقية فيها مهبط للطائرات على بعد ثلاثة أميال من الحدود العراقية~الكويتية. وقد عقد مؤتمر صفوان في 3 مارس/آذار 1991, أي بعد ثلاثة أيام من وقف القتال في 28 فبراير/شباط 1991 (بتوقيت منطقة الخليج). وترأس الفريق شوارزكوف وفد قوات التحالف, واصطحب معه قائد القوات السعودية الفريق خالد بن سلطان, الذي عبر عن خيبة أمله من نتائج المؤتمر, لسببين. تمثل الأول في أن المؤتمر لم يسفر عن الاستسلام الكامل للعراق. فقد كان لديه تصور لمشهد مهيب مثل المشهد الذي حدث في خليج طوكيو, في سبتمبر/أيلول 1945. ولما لم يحدث ذلك, فإنه اعتبر المؤتمر فاشلاً. وتمثل الثاني في خيبة الأمل التي سببها له الأميركيون بعدم إصرارهم على أن يكون العراق ممثلاً بأحد أعضاء مجلس قيادة الثورة. وبدلاً من ذلك, مثل العراق ضابطان برتبة فريق بثلاث نجوم, لم يكونا معروفين حتى لضباط مخابرات التحالف, وهما الفريق سلطان هاشم أحمد (نائب رئيس هيئة الأركان) والفريق صالح عبُّود محمود.[81]

        وأثناء المؤتمر, سأل الفريق سلطان هاشم أحمد الفريق نورمان شوارزكوف عن سبب قيام التحالف بشن الحرب البرية على العراق, مع "أننا قد انسحبنا من الكويت وأعلنا ذلك من خلال الإذاعتين المرئية والمسموعة." ولم يجب شوارزكوف على ذلك السؤال, ولكنه قال: "سنترك ذلك للتاريخ." فرد عليه الفريق أحمد قائلاً: "وأنا ذكرت ذلك للتاريخ أيضاً."[82] ومن الواضح أنه لم يكن يسأل لمجرد السؤال, وإنما ليشير إلى الإسراف في القتل والتدمير الذي تعرضت له القوات العراقية.

 

نتائج الحرب

 

        لخص وزير الخارجية الأميركي جيمس بيكر ما أسفرت عنه الحرب التي شنتها قوات التحالف على العراق عام 1991, في سبع نتائج رئيسة. أولاً, أصبح السلام ممكناً بين العرب والإسرائيليين (والسلام هنا هو من منظور إسرائيلي). ثانياً, تم إضعاف مركز التطرف العربي (أي مركز القوميين الوحدويين العرب, كما ينظر إليهم أعوان إسرائيل). ثالثاً, تم تقوية مركز الحكومات العربية المعتدلة (أي التي شاركت في التحالف). رابعاً, كسبت الولايات المتحدة الاحترام العميق والشكر من قبل عرب الخليج جميعا. خامساً, أنهت الحرب أخطر تهديد لأمن إسرائيل. سادساً, أثبتت الولايات المتحدة أن الاتحاد السوفيتي لم يعد لاعباً رئيساً على المسرح العالمي. سابعاً, أصبحت المصداقية الأميركية (أي كقوة غاشمة تضرب بلدان العالم الثالث التي تجرؤ على تحديها) أعلى من أي وقت مضى منذ الحرب العالمية الثانية.[83]

        وعندما يتم تحليل هذه النتائج, يصبح واضحاً أن الحرب قد أفادت النخب الحاكمة, التي تشكل أقلية في الوطن العربي, على حساب الأغلبية من الجماهير العربية. فأولاً, وبعد أكثر من عشرة أعوام على الحرب, لم يتم التوصل إلى سلام عادل بين العرب وإسرائيل. فكل ما يريده الإسرائيليون أن تستمر المفاوضات إلى ما لا نهاية, بدلاً من الانسحاب السريع من الأراضي العربية المحتلة, مثلما حدث للقوات العراقية في الكويت. وأثناء المفاوضات اللانهائية, يتم التطبيع بين العرب وإسرائيل دون أن تنصاع لقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بحل الصراع. ثانياً, بدلاً من تشويه سمعة القوميين الوحدويين العرب (الذين أشار إليهم بيكر بالمتطرفين) وإضعاف مركزهم في الوطن العربي, كان بإمكان أميركا أن تكسبهم كأصدقاء لو أن الأزمة قد تم حلها سلمياً. لكن خضوع الإدارة الأميركية للنفوذ الإسرائيلي جعلها تتبع السياسة الإسرائيلية المعادية للقومية والوحدة العربية, التي تجد فيهما نقيضاً لها وعقبة كأداء أمام الصهاينة في توسع دولتهم لتمتد من النيل إلى الفرات. ثالثاً, أسفرت الحرب عن تقوية نظم الحكم المطلق والدكتاتورية النخبوية, ولم تساعد قضية الديمقراطية في الوطن العربي. رابعاً, بينما كسبت الولايات المتحدة تقدير واحترام بعض عرب الخليج, فإنها كسبت كراهية وعداء غالبية العرب في كل مكان, بما فيهم الكثير من الخليجيين وخاصة الشباب. كما أن الحرب قد زادت من حجم الحواجز المادية والنفسية بين النظم الخليجية وبقية العرب في كل مكان. خامسا, حيدت الحرب قدرة العراق على أن يشكل تهديداً لأمن إسرائيل, الأمر الذي شجع إسرائيل على الاستمرار في احتلالها للأراضي الفلسطينية واللبنانية والسورية. سادساً, أظهرت الحرب عجز الاتحاد السوفيتي عن الاستمرار في لعب دوره كقوة عظمى منافسة للولايات المتحدة في العالم, بل إن السوفيت قد باعوا إرادتهم لأميركا أثناء الأزمة, الأمر الذي كان مؤشراً قوياً على سقوط الاتحاد السوفيتي بعد ذلك بأشهر قليلة. أخيراً, أسفرت الحرب عن استعادة أميركا لمصداقيتها في العالم, ولكن كقوة استعمارية تضطهد الشعوب الصغيرة وتنهب ثرواتها. فكانت الحكومات المستبدة والمنتفعين من ورائها هم المستفيدين, وليس الغالبية العظمى من الناس. ولم تسفر الحرب عن نشر المبادئ التي يروج لها داخل المجتمع الأميركي, والتي تدعو إلى الديمقراطية, والحرية, وتكافؤ الفرص, والعمل الجاد. وعلى العكس من ذلك, فإن النظم الخليجية التي استفادت من الحرب قد استمرت في كونها تمثل نقائض هذه القيم الإنسانية التي تدَّعي النخبة الحاكمة في أميركا أنها تود نشرها في العالم. فعلى الرغم من أن المهاجرين لا يزالون يشكلون الغالبية العظمى من السكان في منطقة الخليج العربي, إلاّ أن الغالبية العظمى منهم لا يزالون محرومين من الحصول على الإقامة الدائمة و الجنسية مهما طال بقاؤهم هناك. ولا زال الهدف هو حرمانهم من التمتع بثمار أعمالهم التي تتمثل في جملة الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يتمتع بها الأقلية من المواطنين. تلك السياسة تكرس الاستغلال والامتيازات على أساس الجنسية, وليس على أساس المؤهلات والعمل الجاد المثمر. وهكذا, كانت نتائج الحرب تمثل تشويهاً حقيقياً لكل المثل التي يؤمن بها غالبية الأميركيين.

        وبعد الحرب, أثبتت إدارة بوش أنها ضد التوزيع العادل للثروة في الوطن العربي. ففي 7 فبراير/شباط 1991, طرح وزير الخارجية جيمس بيكر أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ فكرة إنشاء "مصرف تنمية الشرق الأوسط." واقترح أن يقوم ذلك المصرف "بجمع الأموال من الأقطار الغنية من أجل تمويل التنمية الاقتصادية في المنطقة (ككل)". وأضاف بأن "الشرق الأوسط لا زال أرضاً لا تتوزع فيها الثروة بشكل عادل, وهو المنطقة الوحيدة في العالم التي لا يوجد بها مصرف للتنمية." وعلى الرغم من حماس بيكر للفكرة, إلا أن بوش قد قتلها.[84]

        والحقيقة أن موقف بوش المعارض لفكرة مصرف تنمية الشرق الأوسط هو موقف يدعو للعجب. فكان من المنطقي أن يكون مؤيداً لاقتراح بيكر, على الأقل لكونه من ولاية تكساس وقربه من صناعة النفط فيها. فالعائدات النفطية لولاية تكساس تخضع للضرائب الاتحادية, وهكذا تحصل الولايات الأميركية الأخرى غير المنتجة للنفط على نصيبها من تلك العائدات. وعلى ذلك, كان موقف بوش غريباً في معارضته أن تدفع الأقطار العربية المنتجة للنفط قسماً من عائداتها النفطية ليتم استخدامه في تنمية بقية أجزاء الوطن العربي. والحقيقة أنه قد ضيع فرصة تاريخية بمعارضته إنشاء ذلك المصرف. فلم يكن بإمكان حكام الخليج رفض ذلك الاقتراح لو أنه قدمه لهم بعد الحرب. فكيف لهم أن يرفضوا له طلباً وهو الذي أقنعهم بأنه قد شن الحرب على العراق من أجل الحفاظ على أنظمة حكمهم. وقد أدى تعنت بوش إلى تعميق الانقسام بين العرب الذين يملكون والعرب الذين لا يملكون, وبالتالي إلى زيادة عدم الاستقرار في الوطن العربي. وبالتأكيد, فإن ذلك التعنت يناقض ادعاءه بخوض الحرب لإعادة الاستقرار إلى المنطقة.

        وهكذا فإن إدارة بوش قد تبنت سياسة مزدوجة المعايير حتى في تعاملها مع العرب أنفسهم. فبينما أسرعت لنجدة أثريائهم, عارضت في منح فقرائهم فرصة للتنمية من خلال مصرف التنمية المقترح. على أية حال, فإن بوش لم يحاول تبرير معارضته لذلك المصرف, لكن بيكر دافع عن السياسة الأميركية المزدوجة المعايير, خاصة فيما يتعلق بالاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية. فذكر بدون حياء أنه عندما التقى بالزعماء الفلسطينيين في القدس العربية المحتلة بعد الحرب, "قدموا له اقتراحاً مضحكاً (كذا) مؤداه أن التحالف الدولي الذي نفذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 678 ينبغي عليه الآن تنفيذ القرارين 242 و338, القاضيين بإخراج الإسرائيليين من الأراضي العربية المحتلة." فأجابهم: "إذا كنتم تطلبون منا أن نرسل الفرقة الثانية والثمانين المحمولة جواً, فالأفضل لكم أن تنسوا ذلك, لأنه لن يحدث." بعد ذلك, أخذ يشرح لهم الفرق (في رأيه) بين القرار رقم 678, الذي كان ملزماً وغير مشروط, والقرارين 242 و 338, الذين دعيا إلى مفاوضات لمبادلة الأرض بالسلام.[85] وعلى الرغم من محاولة بيكر هذه لتبرير السياسة الأميركية المزدوجة المعايير, خاصة بالنسبة للصراع العربي~الإسرائيلي, إلا إنه لم يستطع إخفاء حقيقتها. ولو كانت السياسة الخارجية الأميركية تسير على نفس المبادئ إزاء مختلف القضايا العالمية, لكانت قرارات مجلس الأمن 242 و 338 و425 أيضاً إلزامية وغير مشروطة. أما لماذا هذا التحيز وهذا الازدواج في المعايير, فهذا سؤال لا يجرؤ السياسيون الأميركيون على طرحه أو الإجابة عليه, ذلك ببساطة لأنه سيأخذ الأمر إلى التساؤل عن الحكام الحقيقيين للولايات المتحدة, ألا وهم الإسرائيليون. كما أنه سيكشف حقيقة الأدوار التي يلعبها أولئك السياسيون كأدوات لخدمة المصالح الإسرائيلية, وليس المصالح الأميركية.

 

 

 

 

 

الخلاصة

 

        لقد فضلت إدارة بوش شن الحرب, التي راح ضحيتها مئات الآلاف من أرواح العراقيين, على حل الأزمة بالطرق السلمية. وكان المسئولون في الإدارة مستعدين حتى لاستعمال الأسلحة الذرية, التي كان يمكن أن تؤدي إلى كارثة دمار شامل في جميع أنحاء الشرق الأوسط. ولم يحل دون ذلك إلاّ القرار الحكيم الذي اتخذته القيادة العراقية بعدم استخدام الأسلحة الكيميائية أثناء الحرب.

        ولو كان هدف إدارة بوش مجرد انسحاب القوات العراقية من الكويت, لكان بالإمكان تحقيق ذلك بالمبادرات السلمية. لكن الهدف الحقيقي لشن الحرب كان تدمير العراق, الأمر الذي يفسر الخسائر الهائلة في أرواح العراقيين. وقد أدى ذلك إلى إزاحة التهديد المحتمل لميزان القوى في الشرق الأوسط, فأصبحت إسرائيل من جديد القوة الإقليمية العظمى. كما أن تدمير مقدرات العراق قد قوى مركز إسرائيل, فتم رفض فكرة "الربط" العراقية واستمر الاحتلال الإسرائيلي على الرغم من المفاوضات اللانهائية التي استمرت طيلة العشر سنوات التي تلت الحرب. كذلك, فإن الحرب قد أسفرت عن تعميق الهوة بين أثرياء العرب وفقرائهم. كل ذلك قد حدث نتيجة عدم وجود رؤيا مستقلة لدى المسؤولين الأميركيين لما ينبغي أن تكون عليه السياسة الخارجية الأميركية بعيداً عن الرؤيا والمصالح والمخططات الإسرائيلية.

        وقد فوجئت إدارة بوش بالسقوط السريع للاتحاد السوفيتي وحلف وارسو, الأمر الذي عكس عدم وجود خطط لدى خبراء السياسة الخارجية الأميركية بشأن السلام العالمي بعد انتهاء الحرب الباردة. وهكذا, أصبحت الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة والباقية في العالم, الأمر الذي يحتم عليها أن تتعامل مع تحديات هذه المرحلة (وهو ما سيتم بحثه في الفصل الحادي عشر). أما الفصل العاشر, فإنه يبحث في الحملة الإرهابية ضد الفلسطينيين في الكويت, والتي شنتها عليهم الحكومة الكويتية بعد الحرب مباشرة, تحت سمع وبصر قوات التحالف جميعاً عربية وغير عربية.

 

ملاحظات ومصادر

 



[1]   على الرغم من أن التحالف قد ضم 31 "دولة" (بما في ذلك الكويت), إلا أن القيادة والتخطيط ومعظم التنفيذ كان للولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا.

 

[2]   خلال الحرب العالمية الأولى, بلغت نسبة الخسائر في الأرواح 135/1000. أي أن عدد القتلى بلغ 135 من بين كل ألف جندي. وبلغت النسبة 156/1000, في الحرب العالمية الثانية. أما في أم المعارك (حرب الخليج), فقد بلغ عدد القوات المتحاربة (من الجانبين) حوالي 1.3 مليون جندي. كما بلغ عدد الخسائر في الأرواح حوالي 220,000 جندي. وهكذا, كانت نسبة الخسائر في الأرواح حوالي 169/1000, خلال 43 يوماً فقط.

          (Marullo, 1993: 8).

 

حتى لو استخدمنا الرقم الأكثر تحفظا الذي ذكره شوارزكوف (150,000), فإن نسبة الخسارة في الأرواح البشرية لا تزال من بين أعلى الخسائر في التاريخ

(150/1000).

[3]  Badsey (1992: 66-67).

[4]  Schwarzkopf (1992: 382-383).

[5]  Powell (1995: 472-473).

[6]  Sibbald (1992: 110).

[7]  Bin Sultan (1995: 313-315).

[8]  Bin Sultan (1995: 313-315).

[9]  Sibbald (1992: 122).

[10]  Benn (1998).

[11]   أشار الرئيس بوش إلى أن عدد المهمات قد وصل إلى حوالي 110,000 مهمة.

    (Bush and Scowcroft, 1998: 486).

[12]  Bin Sultan (1995: 337).

[13]  Bin Sultan (1995: 420).

[14]   كما اشتبكت قوات الحرس الجمهوري مع قوات التحالف, أثناء الحرب البرية, بعد ذلك.

[15]  Bin Sultan (1995: 347-348, 354).

 

[16]   ذكر تمرمان أن صاروخ الحسين قد حلَّق في الفضاء لمسافة 615 كيلومترا, أي 383 ميلا. أما مكنايت, فقد ذكر بأن المدى الذي كان الحسين يصل إليه هو 650 كيلومترا, أي 404 ميلا. وقد وصل مدى العباس حوالي 850 كيلومترا, أي 528 ميلا.

   (Timmerman, 1991: 267, 365-366; McKnight, 1992: 175).

[17]   وقد تكرر نفس التهديد باستخدام الأسلحة الذرية على لسان وزير الدفاع الإسرائيلي (موشي أرينز), أثناء مقابلة له مع محطة ان بي سي الأميركية, في 3 فبراير/شباط 1991.

   (Levrani, 1997: 68).

[18]   Powell (1995: 486, 503-504, 511-512).  

[19]   Levrani (1997: 56).

[20]   Baker (1995: 385).

[21]   Baker (1995: 387-388).

[22]   Bush and Scowcroft (1998: 468).

[23]   Baker (1995: 388-389).

[24]   Schwarzkopf (1992: 418-419).

[25]   Bin Sultan (1995: 348-349).

[26]   Levrani (1997: 6-7).

[27]   Bin Sultan (1995: 357).

[28]   Peres (1993: 20).

[29]   Schwarzkopf (1992: 453).

[30]   Baker (1995: 391).

[31]   Baker (1995: 392).

 

[32]   الترجمة الحرفية للعبارة السوقية التي استخدمها بوش في رفض مبادرة بريماكوف هي "ولا بأية حال يا هوزيه." والعبارة بالانكليزية هي:

    “No way, Jose,” pronounced “no way hozay.”

    (Baker, 1995: 402).

[33]   Baker (1995: 403).

[34]   Baker (1995: 405-406);  Bush and Scowcroft (1998: 475-

     477).

[35]   Bin Sultan (1995: 391-392, 405, 411).

[36]   Schwarzkopf (1992: 453).

[37]   الكلمات "عزل وقتل" القوات العراقية المنسحبة هي كلمات كولن باول, وربما استعارها من برنت سكوكروفت الذي اقترح الخطة نفسها.

   (Powell, 1995: 509).

[38]  Schwarzkopf (1992: 443).

[39]   من المرجح أن شوارزكوف كان يشير هنا إلى أعضاء الكونغرس الذين كان لهم دور بارز في الضغط من أجل إصدار قرار الحرب في الكونغرس, وإلى أعوان إسرائيل من الخبراء في إدارة بوش, وإلى الكثير من الخبراء في الاستراتيجية, والشئون العسكرية, ومكافحة "الإرهاب," الذين كان حضورهم طاغياً في أجهزة الإعلام, والذين لم يكونوا يطالبون بأقل من التدمير الكامل للعراق.

[40]  Schwarzkopf (1992: 411-412).  

[41]  Bush and Scowcroft (1998: 477).

[42]  Schwarzkopf (1992: 442-443).   

[43]  Bush and Scowcroft (1998: 462-463).

[44]  Powell (1995: 520).

[45]  Powell (1995: 360).

[46]  Powell (1995: 410).

[47]  Powell (1995: 436).

[48]  Powell (1995: 412).

[49]  Schwarzkopf (1992: 467-469).   

[50]  Schwarzkopf (1992: 461).   

[51]  Schwarzkopf (1992: 462).   

[52]  Powell (1995: 517); Schwarzkopf (1992: 466).   

[53]  Baker (1995: 409-410).

[54]  Bush and Scowcroft (1998: 487).

[55]  Toase (1992: 169).

[56]  Cipkowski (1992: 191).

[57]  Ammash (2000); Arnove and Abunimah (2000).

[58]  Levrani (1997: 26).

[59]   ذكر شوارزكوف بأنه ملجأ الفردوس بدلاً من العامرية.

   (Schwarzkopf, 1992: 435).

 

[60]  Levrani (1997: 2).

[61]  Schwarzkopf (1992: 407).

[62]  Powell (1995: 518).

[63]  Schwarzkopf (1992: 441-442).

[64]  Marullo (1993: 8).

[65]  Cipkowski (1992: 191); Benn (1998).

[66]  Bush and Scowcroft (1998: 487).

[67]  Aspin and Dickinson (1992).

[68]  Aspin and Dickinson (1992: 29-35).

[69]  Aspin and Dickinson (1992: 33-35).

[70]  Aspin and Dickinson (1992: 32-35).

[71]  Bush and Scowcroft (1998: 487).

[72]  Heidenrich (1993).

[73]  Bush and Scowcroft (1998: 487).

[74]   الريِّس (1998).

[75]   وبالإضافة إلى ذلك كله, فإن الإنفاق العسكري في الشرق الأوسط ككل يصل إلى 60 بليون دولار سنوياً.

     (Peres, 1993: 74).

[76]  Bin Sultan (1995: 290-291).

[77]  Powell (1995: 469, 515).

[78]  Bin Sultan (1995: 284).

[79]  Bin Sultan (1995: 292-293).

[80]  Schwarzkopf (1992: 470).

[81]  Bin Sultan (1995: 421-424).

[82]  Schwarzkopf (1992: 488).

[83]  Baker (1995: 412).

[84]  Baker (1995: 413).

[85]  Baker (1995: 424).